المدونة

رسوم التبييت ولماذا تلغى في الحسابات الإسلامية

رسوم التبييت ولماذا تلغى في الحسابات الإسلامية

في عالم التداول المالي وخاصة في سوق الفوركس وعقود الفروقات (CFDs)، تعتبر رسوم التبييت (Swap Fees) من أهم العناصر التي تؤثر بشكل مباشر على تكلفة الصفقات وربحيتها. كثير من المتداولين الجدد لا ينتبهون لهذا البند عند فتح حساباتهم، ليُفاجأوا لاحقاً بأن جزءاً كبيراً من أرباحهم يتآكل يوميًا بسبب ما يُعرف بـ”فوائد التبييت”. هذه الرسوم ليست مجرد عمولة إضافية، بل هي جزء من الهيكل المالي الذي تتبعه شركات الوساطة في التعامل مع الصفقات التي تظل مفتوحة من يوم إلى آخر. ولأن هذه الرسوم تدخل ضمن دائرة الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، كان لابد من ظهور بدائل مثل الحسابات الإسلامية التي تلغي هذه الفوائد. في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل: ما هي رسوم التبييت؟ لماذا تفرضها شركات التداول؟ ولماذا يتم إلغاؤها في الحسابات الإسلامية؟

آلية عمل رسوم التبييت: كيف ولماذا تفرضها شركات الوساطة؟

لفهم السبب وراء فرض رسوم التبييت، يجب أولاً معرفة كيفية عمل سوق الفوركس والCFDs. عندما تفتح صفقة تداول وتقرر الاحتفاظ بها مفتوحة إلى اليوم التالي، فإنك بشكل غير مباشر تصبح طرفاً في معادلة تمويلية بينك وبين الوسيط، نظراً لاعتماد التداول غالباً على الرافعة المالية. بمعنى آخر، أنت تحصل على نوع من “القرض القصير الأجل” من شركة الوساطة لتتمكن من تنفيذ صفقة بحجم أكبر من رأس مالك الحقيقي.

هنا تأتي رسوم التبييت كتكلفة لاحتفاظك بهذه الصفقة مفتوحة. هذه الرسوم تتحدد يومياً وفقاً للفارق بين أسعار الفائدة للعملتين المتداولتين (في حالة الفوركس)، أو وفقًا لسياسة الشركة على بعض الأصول الأخرى مثل المؤشرات أو السلع. إذا كنت تشتري عملة ذات فائدة أعلى مقابل عملة ذات فائدة منخفضة، فقد تتلقى أحياناً “فائدة موجبة”، ولكن في معظم الحالات يتحمل المتداول رسوم سلبية عن كل ليلة تمر على الصفقة المفتوحة.

يتم احتساب رسوم التبييت تلقائياً في نهاية كل يوم تداول، وغالباً ما تكون مضاعفة في أيام الأربعاء بسبب التسوية على ثلاثة أيام.

أسباب فرض رسوم التبييت في الحسابات العادية: الجانب الاقتصادي والمالي

شركات الوساطة لا تفرض رسوم التبييت من باب الترف أو الجشع، بل هي جزء من النظام المالي العالمي المرتبط بسوق الإقراض بين البنوك. كل صفقة تداول تستخدم فيها الرافعة المالية تعني ضمنياً أن شركة الوساطة تقوم بتمويل جزء من الصفقة نيابة عنك.

من هنا تظهر الحاجة لتعويض تكلفة هذا التمويل، وهو ما يتم عبر فرض فوائد التبييت على المتداولين. هذه الرسوم تختلف من وسيط لآخر، ومن أصل مالي لآخر، وتخضع لعوامل مثل:

  • معدل الفائدة بين البنوك (Interbank Rate)
  • سياسة البنك المركزي للدولة المرتبطة بالعملة المتداولة
  • فروق الفوائد بين أزواج العملات (في حالة الفوركس)
  • ظروف السوق والسيولة المتاحة

ولهذا نجد أن رسوم التبييت هي جزء لا يتجزأ من بيئة التداول العادية، ويجب على كل متداول أن يكون على دراية بها قبل فتح أي صفقة طويلة الأجل.

لماذا تعتبر رسوم التبييت مخالفة للشريعة الإسلامية؟ نظرة شرعية

من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، فإن أي فائدة تُفرض على القروض أو التمويلات تدخل في باب الربا المحرم قطعاً. ومع أن التداول في ذاته قد يكون مشروعاً إذا تم وفقًا للضوابط الشرعية، إلا أن وجود فوائد على الصفقات المفتوحة لليوم التالي يجعله محركاً من حيث المبدأ.

رسوم التبييت تمثل في جوهرها صورة من صور الربا، لأنها تعتمد على حساب نسبة مئوية من حجم الصفقة كنسبة فائدة يومية، يتم فرضها أو منحها بحسب ظروف السوق. وبناءً على ذلك، حرّمت معظم الهيئات الفقهية التعامل مع الحسابات التي تحتوي على فوائد تبييت، سواء كانت موجبة أو سالبة.

من أشهر الهيئات التي أصدرت فتاوى في هذا الشأن: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهيئة كبار العلماء في السعودية، بالإضافة إلى العديد من دور الإفتاء العربية مثل دار الإفتاء المصرية، والتي أكدت جميعها أن أي تعامل يحتوي على فوائد ربوية – حتى لو كان بسيطاً – غير جائز شرعاً.

كيف يتم إلغاء رسوم التبييت في الحسابات الإسلامية؟ وما الشروط الشرعية لذلك؟

استجابةً لمطالب المستثمرين المسلمين، قامت العديد من شركات الوساطة العالمية بتقديم ما يُعرف بـ الحسابات الإسلامية والتي يتم فيها إلغاء كامل لرسوم التبييت على جميع الصفقات. ولكن لكي يكون هذا الإلغاء حقيقياً ومطابقاً للضوابط الشرعية، يجب أن يتم وفق شروط محددة.

أول هذه الشروط هو إلغاء كافة أشكال الفوائد الربوية سواء كانت موجبة أو سالبة. ثانياً، يجب عدم فرض رسوم بديلة تحمل نفس المعنى الربوي، مثل “رسوم إدارية يومية” قد يتم احتسابها بدلاً من الفائدة. ثالثاً، يجب أن يكون تطبيق هذا النظام متاحاً لجميع العملاء دون اشتراط حجم تداول معين أو شروط مخفية.

بعض الشركات تطلب من العميل التقدم بطلب رسمي لتحويل حسابه إلى حساب إسلامي، وتوقيع وثيقة تأكيد الالتزام بالشروط الخاصة بذلك.

والأهم من ذلك كله، هو أن يتحقق المستثمر بنفسه من صحة تطبيق هذه الشروط، ويفضل أن يختار شركة وساطة لها سمعة قوية في التزامها بالمعايير الإسلامية.

هل هناك تكاليف بديلة لرسوم التبييت في الحسابات الإسلامية؟ الحقيقة الكاملة

رغم أن الحسابات الإسلامية تعِد بعدم فرض رسوم تبييت، إلا أن هناك بعض الشركات التي تلجأ إلى فرض رسوم أخرى تحت مسميات مختلفة لتعويض خسارة الفوائد الربوية. من هذه الرسوم:

  • رسوم إدارية يومية أو أسبوعية
  • فروق أسعار (Spread) أعلى من الطبيعي
  • عمولات مخفية على الصفقات

لذلك، ينصح الخبراء دائماً بأن يقرأ العميل تفاصيل العقد بدقة، ويقارن بين شركات الوساطة المختلفة قبل اتخاذ قرار فتح حساب إسلامي. كما يُفضل الاستعانة بمستشار مالي متخصص في المعاملات الإسلامية لضمان عدم الوقوع في فخ التحايل الشرعي.

الفرق العملي بين الحساب العادي والحساب الإسلامي من حيث التكاليف والمخاطر

إذا نظرنا من الناحية العملية، سنجد أن الحساب العادي يتميز بتكاليف تداول أقل على المدى القصير ولكنه يحمل مخاطر شرعية بسبب وجود فوائد التبييت. أما الحساب الإسلامي فيوفر بيئة تداول خالية من الفوائد ولكنه قد يأتي مع بعض الرسوم البديلة أو فروق الأسعار الأوسع.

من حيث المخاطر:

  • في الحساب العادي: المخاطر الشرعية موجودة + مخاطر السوق.
  • في الحساب الإسلامي: المخاطر الشرعية معدومة (إذا كان حساباً إسلامياً حقيقياً) + مخاطر السوق العادية.
  • الاختيار بين النوعين يعتمد على أولوية المتداول: هل يبحث عن التكلفة الأقل؟ أم عن التوافق الشرعي الكامل؟

نصائح لاختيار الحساب المناسب: هل تختار حساباً عادياً أم إسلامياً؟

إذا كنت مسلماً حريصاً على الاستثمار الحلال، فإن الخيار المنطقي هو التوجه نحو الحساب الإسلامي بشرط التأكد من أنه خالٍ تمامًا من التحايل. فيما يلي بعض النصائح:

  • اقرأ الشروط والأحكام الخاصة بالحساب الإسلامي بدقة.
  • اطلب من الشركة توضيح جميع الرسوم المحتملة بشكل مفصل.
  • تحقق من ترخيص الشركة ومصداقيتها.
  • ابحث عن تقييمات العملاء الذين جربوا الحساب الإسلامي مع الشركة.
  • استفسر عن وجود هيئة رقابة شرعية مستقلة داخل الشركة.

أما إذا لم تكن تعطي أولوية كبيرة للجانب الشرعي (وهو ما لا ننصح به)، يمكنك اختيار الحساب العادي مع مراعاة فهم تكاليف التبييت جيداً.

خاتمة: أهمية فهم رسوم التبييت قبل فتح حساب تداول

في نهاية المطاف، تبقى رسوم التبييت من النقاط الجوهرية التي يجب على كل متداول معرفتها قبل فتح حساب تداول. سواء كنت تفكر في فتح حساب عادي أو حساب إسلامي، فإن فهم آلية هذه الرسوم وأثرها على أرباحك وتوافقها مع معتقداتك الدينية أمر لا غنى عنه.

القرار الأخير بيدك، لكن تذكر دائمًا أن المال الحلال بركته دائمة، وأن تجاوز القواعد الشرعية قد يكلفك خسائر أكبر مما تتوقع على المدى الطويل. استثمر بحكمة… واستثمر بحلال.

Picture of محمد سمير

محمد سمير

باحث في مجالات الاقتصاد الكلي وتداول الأسهم، يهتم بتقديم محتوى عميق وتحليلي يغطي الأخبار المالية والتقارير الاقتصادية المهمة. يتميز محمد بقدرته على الربط بين الأحداث العالمية وتأثيرها على السوق، مما يضيف بعداً تحليلاً قوياً للمحتوى الذي يقدمه.

شارك المقال لتعم الفائدة

مواضيع ذات علاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: محتوى محمي. النسخ ممنوع.