المدونة

حكم التداول في الاسلام

حكم التداول في الاسلام

جدول المحتويات

مقدمة حول التداول في العصر الحديث

في الآونة الأخيرة ظهر مصطلح التداول، يردده الكثيرون وتدعو إليه العديد من الإعلانات، مما دفع الكثير من العامة إلى محاولة فهم هذا المصطلح بصورة مفصلة، لعله يكون السبب في دخولهم عالم الأعمال والاقتصاد من أوسع الأبواب. وربما أكبر الأسباب التي دفعت فضول الكثيرين إلى فهم هذا المصطلح ومحاولة العمل به، هو طبيعة هذا العصر، الذي أصبح كل شيئ فيه متاح، وزادت فيه الحاجة إلى المال، وترددت الأقوال تفيد بسهولة الحصول على المال من هذا العالم، فَنجد أن التداول سابقاً كان موجوداً لكنه كان محصوراً على خاصة من يعملون في البنوك والمؤسسات المالية، لكن اليوم يستطيع أي شخص دخول هذا العالم فقط الشرط الوحيد أن يمتلك آلية للوصول الى الانترنت، ومن منا لا يمتلك امكانية الوصول الى الانترنت في هذه الأيام؟ إذاً الجميع بدون استثناء مفتوح لهم هذا الباب. لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه عند طرح هذا الموضوع، هل من الصحيح أن يدخل الجميع هذه المخاطرة، أم أن له مخاطر يجب الحذر منها؟ أما السؤال الآخر الذي يدور في خاطر أي مسلم ويبقى في ذهنه دائماً، ماذا عن التداول في الإسلام؟ هل حلله الإسلام أم حرمه؟ لاسيما أن الإسلام يدخل في كل تفاصيل حياة المسلم ولا يقتصر فقط على العبادات بل يتخلل في حياة المسلم وكافة تفاصيل يومه كي ينظمها ويجعلها تسير على خط مستقيم لا اعوجاج فيه.

تعريف التداول وأنواعه

لا يخرج تعريف التداول عن مصطلح البيع والشراء، فَهو بكل بساطة يعني شراء أصل من الأصول المالية مُقابل مبلغ مالي معين بهدف الاستثمار، حيث ينتظر المشتري أن يزيد سعر هذا الأصل المالي كي يكسب فيه، وفي حقيقة الأمر قد يجني المتداول أرباحاً كبيرة في ظرف ساعات قليلة، وهذا يحدث إذا زاد سعر الأصل المالي، وقد تكون هذه الزيادات كبيرة، وعلى النقيض قد يقل سعر الأصل المالي في ظرف ساعات بسيطة، ما يؤدي إلى خسارة المتداول. لذلك احتمالية المكسب والخسارة واردة في هذا العالم. ولعل الراغب في دخول هذا العالم يسأل هل من المعقول أن تتغير أسعار الأصول المالية في مدة قصيرة؟ والإجابة بكل بساطة نعم هذا وارد جداً في عالم المال والاقتصاد، ويعتمد هذا على عدة عوامل منها العرض والطلب ومتغيرات أخرى ليس لها قواعد حاسمة. لذلك الأمر يحتاج إلى دراسة وافية قبل خوض التجربة.

على أساس الأصل المالي يوجد عدة أنواع من التداول، والأصل المالي بصيغة مُبسطة هو السلعة التي سوف يتم تداولها أي بيعها وشرائها، وفي ما يلي عرض لأهم أنواع التداول:

  1. تداول العملات الأجنبية (فوركس): يتعبر فوركس أكبر سوق مالي في العالم، فيه يعتمد القائمون على التداول على تقلبات أسعار العملات الأجنبية، والتي تتأثر بالعرض والطلب كأي أصل من الأصول المالية، لكن هناك عوامل أخرى تؤثر عليها كَالأوضاع السياسية وحركة الاستيراد والتصدير وغيرها الكثير من العوامل الأخرى التي تحتاج إلى دراسة كافية.
  2. تداول الأسهم: في هذا النوع من التداول المتداولون يشترون أسهم الشركات المعروضة في البورصة، ويعتمدون على زيادة أسعار هذه الأسهم كي يحققون المكاسب المرغوبة، وهناك بعض العوامل التي تحدد سعر الأسهم منها العرض والطلب وكذلك الحالة الاقتصادية للشركة والأرباح التي حققتها.
  3. تداول السلع: هنا الأصول المالية عبارة عن سلع متغيرة السعر، حيث تتأثر بالعوامل الجيوسياسية وكذلك العرض والطلب. هناك العديد من السلع التي يمكن التداول فيها مثل النفط، القمح و الذهب.
  4. تداول الخيارات: هي عبارة عن عقود، تمنح حق البيع أو شراء أي أصل من الأصول بسعر معين وفي تاريخ محدد أيضاً، وقد يلجأ إليها البعض للحماية من مخاطر تقلبات السوق العالمي، وتجنب أكبر قدر ممكن من الخسائر.
  5. تداول العقود الآجلة: هي عقود مُلزمة لشراء أو بيع أصل مالي محدد في تاريخ مستقبلي بسعر معين، وتعتبر ضامناً للمتداول في ظل مخاطر تغير أسعار السلع.

أهمية التداول في الاقتصاد العالمي

يعود التداول بمنافع عظيمة على الاقتصاد العالمي، الذي قد ينعكس على حياة الأفراد بشكل خاص، ويؤدي التداول إلى حالة عامة من انتعاش الاقتصاد العالمي قد تبرز في ما يلي من نقاط:

  1. تمويل المشروعات الكُبرى للشركات وانتعاش حركتها الاقتصادية: إن وجود أسواق تداول عالمية هي بمثابة فرصة ذهبية للشركات التي تطرح مشروعات كُبرى بحاجة إلى التمويل. على سبيل المثال إذا كان هناك شركة أغذية بحاجة إلى إطلاق مُنتج جديد، لكنها لا تجد السيولة الكافية لتغطية تكاليف مشروعها الجديد. إذاً يمكنها هنا أن تعرض أسهم الشركة للبيع في منصات التداول، كي تجني أموالاً لتمويل مشروعها الجديد. وإذا نجح هذا المشروع قد تجني الشركة المزيد من الأرباح، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر أسهم الشركة، في هذه الحالة يعود النفع على الشركة نفسها وعلى المتداولين الذين استثمروا أموالهم في أسهم الشركة. من هذا المثال البسيط يمكن فهم فوائد التداول لاسيما إذا ما تم توظيف التداول بشكل صحيح.
  2. توفير سيولة في الأسواق العالمية: إن عملية التداول عملية سريعة، يمكنها توفير سيولة سريعة للمستثمرين، مما يمكنهم من جني الأموال دون بيع أصول كبيرة، كما أن هذه العملية تعزز من ثقة المستثمرين، وتساعد في كسب ثقتهم وانتعاش الاقتصاد بصورة مباشرة.
  3. المساعدة في تسيير حركة التجارة الدولية: يفتح التداول الأسواق العالمية على بعضها البعض، ويمكن للشركات المختلفة في دول العالم تبادل السلع، مما يساهم في تسهيل حركة تبادل التجارة العالمية، وتوفير العملة الصعبة في الدول.
  4. تسعير الأصول المالية: تأتي أهمية منصات التداول وإتاحة الفرصة للتداول، في تحديد قيمة بعض الأصول، حيث أن عرض السلع في منصات التداول يُبين حجم الطلب عليها، وبالتالي يتم تسعيرها كما يجب أن ينبغي. نجد مثلاً عند عرض أسهم شركة معينة في منصات التداول، إذا كان الإقبال عليها كبيراً يتم عرضها بأسعار أكبر، أما إذا كان الإقبال عليها متوسطاً أو قليلاً، فهذا يعني انخفاض قيمتها أو على الأقل ثباتها، ولأن الأمر في الأساس يعتمد على العرض والطلب فإن هذه المنصات تسعر الأسهم أو الأصول المالية بطريقة مناسبة ودقيقة إلى حدٍ ما.
  5. زيادة المنافسة بين الشركات: عندما تعرض الشركات أسهمها في سوق التداول، فإن هذا يعزز المنافسة في ما بينها، كي تطور من نفسها وتعمل على تحسين جودتها وانتاجيتها، وبالتالي تنتعش الحركة الاقتصادية العامة وتزيد فرص العمل.

انتشار التداول عبر الإنترنت وتأثيره

في الماضي كان هناك سماسرة متخصصين في مجال التداول، كان دورهم يقتصر على عرض الأسهم المطروحة للبيع والشراء على المستثمرين، وكان لهم دور كبير في تشجيع المستثمرين على شراء أسهم معينة أو بيعها نظراً لخبرتهم في السوق، وتعرضهم لعدد كبير من المواقف المشابهة التي تجعل كلمتهم لها ثِقل في هذا عالم التداول. كان التداول أيضاً سابقاً يتم عبر الهواتف النقالة، وبصعوبة كبيرة كان يتم متابعة حركة السوق. على عكس ما يشهده عالمنا اليوم من تطور كبير وسهولة مطلقة في هذا العالم، فاليوم تم استبدال السماسرة بمواقع التداول عبر الإنترنت، التي تعمل كوسيط لعرض الأسهم، العملات الورقية، العقود، السلع وغيرها للبيع أو الشراء، ويمكن لأي شخص في يومنا هذا أن يسجل حساباً على منصات التداول، وفي أي وقت يستطيع البيع أو الشراء، مع سهولة كبيرة في مراقبة حركة الأصول المالية، وتحديد الوقت المناسب للبيع أو الشراء.

لِصورة مبسطة لشرح التداول عبر الإنترنت يمكن تقسيم التداول بشكل عام إلى نوعين:

  1. التداول بالمضاربة، وفي هذا النوع لا يشتري المتداول السلعة بصورة مباشرة، لكنه يضارب عليها، لشرح هذا يمكن ضرب المثال التالي، يمكن للمستثمر شراء المعادن الثمينة والاحتفاظ بها لمدة زمنية معينة، وبعد وقت قد يزيد سعرها مما يجعل المستثمر يربح من هذه العملية، أما التداول بالمضاربة فهو يعتمد على التوقعات، مثلاً هناك بعض المنصات التي تعرض عقود الفروقات للبيع، هناك عقود فروقات تتوقع أن يزيد سعر الذهب مقابل الدولار، وعقود أخرى تتوقع أن ينخفض سعر الذهب مقابل الدولار، إذاً التداول هنا يعتمد على التوقعات وليس امتلاك السلع بصورة مباشرة، والكثير من المنصات تعتمد على هذا النوع، مثل فوركس، منصات تداول السلع وغيرها.
  2. التداول الاستثماري، هذا النوع من التداول يمكن ممارسته على شبكة الإنترنت لكنه طويل الأمد، حيث يمكن للمتداول شراء أسهم في شركات مشهورة مثل تسلا وأبل أو شراء العملات الرقمية مثل البيتكوين. في هذا النوع يعتمد المستثمر على عامل الوقت كي يربح من استثماره.

لقد سهل الإنترنت التداول بصورة كبيرة، وبعد أن كان حصراً على أشخاص معينين، أصبح بإمكان أي شخص في يومنا هذا خوض هذه التجربة، كما أنه جعل عملية التداول سهلة وسريعة، وربما سهل وجود السيولة عكس العهد السابق، عهد ما قبل الإنترنت. ومع كل ذلك يظل التداول عبر الإنترنت سلاحاً ذا حدين، مثله مثل السكين التي قد تكون في غاية النفع إذا ما تم استخدامها بتروي وحذر، أما إذا تم التعامل معها بجهل قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، وهكذا التداول عبر الإنترنت رغم سهولته ويسره، لكنه قد يؤدي إلى خسارة فادحة. على سبيل المثال لا الحصر عند حدوث أي عطل بسيط في الإنترنت أو أي مشكلة في الاتصال، قد يخسر المتداول الكثير. على الرغم أن هذا الاحتمال بعيد إلا أنه يظل وارداً. إذاً السبيل الصحيح هو دراسة السوق وفهم طبيعته ووضع كافة الاحتمالات لتحقيق أكبر المكاسب.

مفهوم التداول في الإسلام

لم يدع الإسلام صغيرةً ولا كبيرةً إلا ونظمها، ووضع قوانين لتسييرها بشكل صحيح، لذلك الدين الإسلامي هو دين مناسب لكل زمان ومكان، وليس بالدين الذي يكتفي بسرد أحداث تاريخية وقصص أسطورية لا تناسب العصر الحديث. لقد اهتم الإسلام كثيراً بسن قوانين المعاملات المالية ووضعها في أولى اهتماماته، فنجد في القرآن العديد من الآيات التي تهتم بالمعاملات المالية، لدرجة أن أطول آية في القرآن الكريم جاءت تتحدث عن الدين وتنظم العملية بطريقة ربانية بديعة. أما عن التداول ينظر إليه الإسلام كالبيع والشراء، إذاً فالأصل فيه الحلال، وكما قال علماء الدين الأصل في الأشياء الحلال باستثناء تلك الأشياء التي حرمها الله سواء في القرآن الكريم أو السنة أو عن طريق مصادر التشريع الأخرى. وعلى الرغم من ذلك هناك بعض الضوابط التي وضعها الإسلام لكي لا تتحول عملية التداول من الحلال إلى الحرام. إن بين الحلال والحرام شعرة تفصلهم عن بعض، لذلك يجب دراسة الأمر جيداً ومراعاة كل خطوة يخطوها المتداول كي لا يقع في الحرمانية.

نظرة الإسلام إلى المعاملات المالية

تُعّرف المعاملات المالية بأنها العلاقة بين الأفراد، التي يتعاملون فيها تعاملاً نقدياً، وتعد المعاملات المالية من أهم التعاملات بين الناس، لذلك تحتاج إلى سن قوانين ثابتة كي لا يجور الأشخاص على بعضهم البعض ولكي لا تُسلب الحقوق. لذلك شرع الإسلام العديد من الأحكام كي ينظم هذه المعاملات المالية. على سبيل المثال حلل الإسلام البيع والشراء ووضع قوانين تحفظ حق كل من البائع والمشتري، مثل أنه حرم الغش وبخس الثمن، كما حرم احتكار السلع كي لا يحل الفساد على البلاد والعباد. وفي سياق آخر وضع الإسلام قوانين تنظم الدين وتحفظ حقوق الدائن والمدين، بأن يُكتب الدين في وثيقة حتى لو كان الدائن والمدين من أقرب الأقرباء، هكذا دائماً يتعامل الإسلام عند الحقوق والواجبات كي لا تضيع الحقوق. هناك  أيضاً معاملات مالية حرمها الإسلام بصورة قطعية مثل الربا، الذي أكد القرآن الكريم على حرمانيته. وعند النظر في الحكمة من وراء تحريم الربا، يجد الناظر حِكماً عظيمة في هذا، لما في الربا من مشقة كبيرة على العباد. على سبيل المثال لا الحصر عندما يحتاج شخص ما إلى أخذ قرضاً من البنك لظروف طارئة، نجد الكثير من البنوك تتعامل مع القروض معاملات ربوية بحتة، فَعند التسديد يدفع صاحب القرض أضعافاً مضاعفة، مما يؤدي إلى خسائر فادحة قد تفوق طاقة هذا الشخص. وهنا فقط تتجلى عظمة الإسلام الذي أمر الإنسان بأن لا يشق على نفسه ولا يكلف نفسه فوق طاقتها.

المبادئ العامة في الشريعة الإسلامية حول البيع والشراء

قال الله في كتابه الحكيم ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ )275  البقرة ، لكن وضع لهذه العملية شروط وآداب لا يجب الإخلال بها حتى لا يدخل كل من البيع والشراء في إطار الحرمانية. وفي ما يلي مجموعة من المبادئ التي وضعها الإسلام لتنظيم عملية البيع والشراء، والحفاظ على حقوق العباد:

  1. تجنب الربا أثناء عملية البيع والشراء: هناك العديد من أشكال الربا التي قد تدخل في عملية البيع والشراء، وجميع هذه الأشكال يحرمها الإسلام بصورة قاطعة. ومن المعاملات الربوية أثناء البيع والشراء ربا النسيئة، وفيه يتأخر المشتري في السداد، على أن يزيد المبلغ عليه، ونجد هذا جلياً في بيع السيارات على أقساط مع وضع نسبة فوائد كبيرة، وهذا النوع من البيع يحرمه الإسلام، حيث يدخل في إطار الربا.
  2. رضا كل من البائع والمشتري: وهذا بمعنى أن تكون البيعة برضا كل من البائع والمشتري دون خداع أو إكراه أو ضغط كبير على البائع أو المشتري.
  3. عدم الغش ووصف البضاعة بصدق وأمانة: وهنا يأتي دور البائع الذي يجب أن يذكر صفات السلعة المعروضة للبيع بكل صدق وأمانة، وأن لا يضلل العميل ولا يكذب كي يمرر بضاعته.
  4. عدم المماطلة والالتزام بالعهود: وهذا الالتزام على المشتري، فإذا اتفق أن يسدد مبلغ السلعة على أقساط، توجب عليه الالتزام في موعد التسديد وعدم المماطلة أو التهرب من الدفع، وإلا بات المشتري في إثم عظيم.
  5. الابتعاد عن بيع الغرر: وهو ذلك البيع الذي يُعرض فيه سلعة مجهولة الصفات والثمن، وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن هذا النوع من البيع بصورة قاطعة. من أمثلة بيع الغرر أن يبيع صاحب مزرعة سمكية السمك في الماء قبل اصطياده، لأن هذا بيع على اعتبار ما سوف يكون، وهذا يعد من المحرمات.
  6. عدم احتكار السلع: من حكمة الإسلام العظيمة أنه حرم الاحتكار، كأن يقوم تاجر بشراء سلعة معينة ومنعها من السوق، فيزيد الطلب عليها وبالتالي يزيد سعرها، وهنا يحقق التاجر أرباحاً هائلة على حساب حاجة الناس الضرورية لهذه السلعة، ويزيد الأمر سوءا عند احتكار سلع أساسية مثل الأدوية والأطعمة الأساسية.
  7. تحريم الغبن الفاحش: هناك بعض التجار يستغلون جهل المشتري، ويقومون ببيع السلعة بثمن مبالغ فيه مستغلين حاجة المشتري، وهذا النوع من البيع حرام ولا يجوز شرعاً.
  8. عدم بيع سلع محرمة: من البديهي أن معاملات البيع والشراء تصبح حراماً، إذا ما تم بيع سلع محرمة مثل الخمور، قال رسول الله: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) رواه الترميذي. وكذلك ينطبق على باقي المحرمات، حيث لا يجوز بيعها مطلقاً.

الفرق بين الاستثمار والتداول في منظور إسلامي

الكثير يخلط بين كل من مفهومي التداول والاستثمار، إلا أن هناك فروق جوهرية بين كل منهما، لذلك لا نستطيع القول أنهما وجهان لعملة واحدة، وفي ما يلي عرض لهذه الفروقات في منظور الإسلام:

الاستثمار في منظور الإسلام

من أهم العوامل التي تميز الاستثمار أنه معاملة مالية طويلة الأمد، تحتاج الكثير من الصبر فضلاً عن الخبرة، ويُعرف الاستثمار على أنه، شراء أصول مالية بغرض تحقيق منافع مستقبلية على المدى الطويل، ويتميز الاستثمار بأنه قليل المخاطر، لأنه يعطي للمستثمر عامل الوقت، حيث يستطيع معالجة خسارته لأن الوقت معه. لكن هذه المعاملة تخضع إلى عدد كبير من الضوابط، وإلا تصبح هذه المعاملات محرمة، وفي ما يلي أهم الضوابط التي وضعها الشرح أثناء الاستثمار:

  1. اجتناب التعامل مع البنوك التي تتعامل بالفوائد الربوية.
  2. تجنب المقامرة والمخاطر التي لا يُحمد عقباها.
  3. أن يتحمل المستثمر الخسارة كما يجني الأرباح، وهذا الفرق بين المعاملات الربوية والمعاملات الإسلامية.

التداول في منظور الإسلام

إن الفرق الجوهري بين الاستثمار والتداول هو عامل الوقت، حيث أن التداول عملية مالية قصيرة المدى، قد يصل قصر مدتها إلى حد الدقائق، وبالتالي فإنها قد تجني للمستثمر ثروة كبيرة، وعلى صعيد آخر قد تؤدي إلى خسارة فادحة، وقد حلل العلماء المسلمون التداول، على أن لا يخل بالشروط الآتية:

  1. أن لا يتم التداول في سلع محرمة، مثل الأسهم في شركات الخمور.
  2. أن لا يتم بيع سلعة لا يملكها البائع.
  3. عدم التعامل بالعقود الآجلة.
  4. تجنب التداول الذي يعتمد على مخاطرات كبيرة، فقد يدخل هذا النوع من التداول في دائرة القمار التي حرمها الإسلام بشكل قاطع.

شروط التداول الحلال في الإسلام

يسّر الإسلام على البشر في جميع الأمور التي تشمل العبادات، المعاملات وغيرها، ولم يشق بتاتاً على البشر بل خفف عليهم في الكثير من الأمور، ومع ذلك لم يُترك الأمر هكذا بدون ضوابط وقواعد تحكم حياتهم وتسيرها على الطريق المستقيم، وإن لم توجد هذه الضوابط لحدث فساد كبير في الأرض واختل نظام الكون. حتى أنه في المجتمعات التي لا تعتمد على الشريعة الإسلامية في نظام حكمها، فإنها تضع القوانين كي تمسك زمام الأمور. إذاً الأحكام والقوانين واجبة لضبط أي مجتمع وتقليل معدل الجريمة فيه، فما بالنا بالقوانين الربانية إذا نظمت حياة البشر، لابد أن الحياة سوف تستقيم أكبر استقامة، والمعاملات المالية مثلها مثل كل الجوانب التي اهتم بها الإسلام لها ضوابط شرعية، ولأن هذه المقالة تركز على التداول في الإسلام، في ما يلي أهم شروط التداول كي لا يمس الشريعة الإسلامية ولا يخالفها قيد أنملة:

تجنب الربا الفوائد الربوية

لكي لا يمس التداول الشريعة الإسلامية، ولا يكون من المحرمات، من الهام للغاية التأكد من خلو عملية التداول من المحرمات، تلك التي حرمها الإسلام بشكل صارم مثل الربا، ولكن ما هي صور الربا في التداول؟ وكيف يعرف المتداول أنه وقع في الربا أثناء عمله؟ لقد أجاب العلماء على هذه التساؤلات، وحددوا صوراً محددة للربا تعمل بها بعض منصات التداول، نذكرها في ما يلي:

  • التبييت: هذا المصطلح مشهور بين المتداولين، وهو أن لا تنتهي صفقة في نفس يوم، فيتم تأجيلها إلى اليوم التالي مع فرض فائدة على هذا التأجيل، وتسمى هذه العملية بالتبييت. إن فرض هذه الفائدة قد يعود بالمكسب أو الخسارة على المتداول على حسب وضع السوق المالي. ومن الأمثلة على التبييت ما يحدث في منصة فوركس، فإذا اشترى المتداول زوج اليورو مقابل الدولار، بمعنى أن يتوقع المتداول ارتفاع سعر اليورو مقابل الدولار، لكن إذا حدث ارتفاع سعر الدولار مقابل اليورو، سوف يخسر المتداول نسبة الفائدة المفروضة، وإذا حدث العكس سوف يكسب المتداول الفائدة المفروضة. هذه العملية برمتها حرمها الفقهاء المسلمين لأنها تدخل في دائرة الربا، والحل في هذا أن لا يقوم المتداول بالتبييت، أو أنه يدخل في منصات إسلامية لا تطرح هذا الخيار من الأساس.
  • التداول بالهامش: ويُسمى أيضاً بين المتداولين بالرافعة المالية، وتعتبر الرافعة المالية من أخطر المعاملات في منصات التداول التي تعرض المتداول إلى كثير من المخاطر بقدر ما تعرضه إلى مكاسب جمة، قد يجني منها ثروة حقيقية، ولكن ماذا لو لم تنجح الصفقة؟ هنا تتجلى الحكمة الربانية في تحريم هذه المخاطرات. في البداية يجب فهم مصطلح التداول بالهامش، كي يتم فهم الحكمة من تحريمه، والمقصود بالتداول بالهامش هو أن يتداول المتداول بأكثر من رأس ماله، وهذا يتم بأن يقرضه الوسيط مبلغ معين، فإذا كسب المتداول الصفقة سوف يجني أرباحاً كبيرة أما إذا خسر سوف يخسر الصفقة كلها، ويطلب منه الوسيط وضع المزيد من الأموال في حسابه، وإلا سَيُغلق حساب المتداول. لتوضيح هذا بشكل أكبر يمكن ضرب المثال الآتي: متداول مبتدئ لا يملك في حسابه إلا 100 دولار فقط، مُتاح أمامه خيار استخدام رافعة مالية بقدر 1:10، هذا يعني أن بإمكانه التداول بمبلغ قدره 1000 دولار، رغم أنه لا يمتلك في حسابه الفعلي إلا 100 دولار. لنفرض أن المتداول اشترى 100 سهم كل سهم بقدر 10 دولار، وكما ذكرنا أن هناك احتمالية زيادة أو نقصان قيمة السهم، هنا المتداول أمام خيارين، الأول أن يزيد سعر السهم فيكسب، أو أن ينقص فيخسر وفوق كل هذا يصبح مديوناً، هنا فقط نفهم حجم المخاطرة، ونجيب عن سؤال، لماذا حرم الشرع التداول بالهامش؟

إذا تجنب المتداول هذه الأمور، سوف يخرج من دائرة الربا، أما إذا وقع فيها فلابد أنه وقع في حرمانية كبيرة.

الابتعاد عن الغرر والمقامرة

كي يتجنب المتداول الشبهات يجب أن يبتعد عن المقامرة والتوقعات الغير منطقية، بل يجب أن تكون قرارته مبنية على تحليلات علمية ومنطقية بالدرجة الأولى، ولا يجب أن يتخذ قراراً مبنياً على الرهان أو الحظوظ، والدليل على هذا ما جاء في الكتاب الحكيم:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) 90 المائدة.  فإذا اشترى المتداول سهماً، يجب أن يدرس قراره جيداً، وأن يكون حجم المخاطرة معقولاً منطقياً، صحيح أن احتمال الخسارة وارداً، لكن إذا أخذ بالأسباب وحلل السوق جيداً احتمالية الخسائر تصبح ضعيفة جداً. ومن المحرمات أيضاً في التداول أن يبيع المتداول ما لا يملكه، كأن يقترض سهماً أو شهادة ثم يبيعها، بعد ذلك يشتريها من المقترض بثمن أقل مما جناه من بيع السهم، وهذا الفعل بالتحديد يدخل في حكم بيع الغرر الذي حرمه الإسلام، ما يثبت هذا ما ورد في حديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : عن أبي هريرة قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وبيع الحصاة) رواه مسلم

ومن الممارسات التي تدخل في الحرمانية شراء عقود الفروقات، إذا كان بها مخاطرة كبيرة جداً أو إذا لم تكن مبنية على تحاليل منطقية ودراسات علمية اقتصادية وافية، وهذا لا يمنع جواز عقود الفروقات إذا كانت مبنية على تحليلات علمية دقيقة، بشرط أن لا تحمل في طياتها مخاطراً كبيرة للمتداول. وعموماً الثابت هنا أن المتداول يجب عليه السعي والدراسة العميقة، فإذا ظل هكذا لن يدخل في دائرة الحرمانية، أما إذا اعتمد على الحظ والرهان هنا باتت الإشكالية الكبرى، ولقد دلل علماء المسلمين على تحريم الرهان مستشهدين بحديث الرسول الكريم عندما قال : «الخيل ثلاثة: فرسٌ يربطه الرجل في سبيل الله؛ فثمنه أجرٌ، وركوبه أجرٌ، وعاريته أجرٌ، وعلفه أجرٌ، وفرسٌ يغالق فيه الرجل ويراهن؛ فثمنه وزرٌ، وعلفه وزرٌ، وركوبه وزرٌ، وفرس للبِطنة؛ فعسى أن يكون سِدادًا من الفقر إن شاء الله تعالى» اخرجه احمد في مسنده

تجنب التداول في الأصول المحرمة (الخمور، القمار .. إلخ)

يدخل التداول في بند الحرمانية، إذا كان قائماً على أسهم الشركات المحرمة، أو فوائد البنوك القائمة على الربا في المعاملات المالية، وفي ما يلي حصر للأصول المحرمة، التي لا يجوز للمتداول التعامل معها، وإلا حصل على إثمٍ عظيم:

  1. أسهم الشركات المحرمة، والتي تشمل ما يلي:
    • شركات بيع الخمور وشتى المشروبات الروحية.
    • البنوك التقليدية التي تتعامل بالقروض والفوائد الربوية.
    • شركات القمار والمراهنات، مثل الملاهي الليلية.
    • شركات إنتاج الأفلام التي لا تراعي الضوابط الشرعية.
    • مصانع التبغ والمخدرات.
  2.  التداول في العملات الرقمية المشبوهة، وهي عبارة عن عملات ليس لها قيمة حقيقية، كل قيمتها ناتجة من الرهان والمضاربة، لكن في الحقيقة لا تمتلك أي قيمة حقيقية، وقد يدخل هذا النوع في بيع الغرر، الذي حرمه الإسلام كما أسلفنا بالذكر.
  3. العقارات القائمة على نشاطات مشبوهة، مثل الملاهي الليلية أو المناطق السكنية التي تؤجر للممارسات الغير شرعية.

إذا وضع المسلم الضوابط الشرعية نصب عينيه، سوف يحيا حياة هانئة، ولا يمكن الجزم بأن الشر يعلمون الحكمة الإلهية في تحريم بعض الأمور، وهنا فقط يتجلى تسليم المؤمن لله خالقه في جميع الأمور حتى وإن لم يكن على دراية الحكمة من التحريم.

التأكد من العقود الشرعية في التداول

يجب أن يتأكد المتداول من تحقق بعض الشروط كي تصبح عقود التداول شرعية، لا تمس بالشريعة الإسلامية:

  • عدم استخدام الرافعة المالية أثناء التداول، والتي وضحنا معناها في ما سبق.
  • التداول في أسهم شركات حلال مثل السيارات، العقارات، الأغذية .. إلخ، وعدم التداول في أسهم الشركات المحرمة أو البنوك الربوية.
  • يجب أن يكون التداول في السلع فورياً غير مؤجلاً.
  • تجنب التداول في العقود الآجلة التي تتعامل بالفوائد الربوية، كما تفتقر إلى شروط ثابتة واضحة. عموماً يفضل العلماء عدم التعامل مع هذه العقود، إذ يفضلون التعامل الفوري الغير مؤجل.
  • أحياناً يُحرم التداول مع بعض الشركات حتى إذا كان نشاطها حلالاً، وهذا في حالة أن ديونها تتجاوز ثلث رأس مالها أو أصولها، في هذه الحالة يحرم تداول هذه الأسهم.
  • إذا تم التداول في السلع يجب أن يُعرف كميتها، وأن تكون كل الشروط واضحة بشكل تام.

أنواع التداول وحكم كل منها في الإسلام

هناك العديد من أنواع التداول كما أسلفنا بالذكر، ولكل نوع من التداول حكم في نظر الشريعة الإسلامية، في ما يلي عرض لأنواع التداول، وحكم كل نوع وفقاً لنظر الشريعة الإسلامية وبالأدلة الشرعية.

تداول الأسهم: حكمه وشروطه

الحكم: إن الأصل في مضاربة الأسهم وتداولها الجواز، وهذا استناداً لأقوال علماء الشريعة الإسلامية، إلا أن هذا يخضع لمجموعة من الضوابط والشروط، سوف نعرضها في ما يلي.

شروط تداول الأسهم في الإسلام:

  1. تداول أسهم الشركات ذات الأنشطة الحلال، وحرمانية تداول أسهم شركات الخمور، القمار، العقارات التي يوجد بها أنشطة محرمة .. إلخ.
  2. تجنب تداول أسهم البنوك التي تعتمد على الفوائد والقروض الربوية.
  3. تحمل المتداول الربح والخسارة بنفس القدر.
  4. حرمانية التعامل مع الرافعة المالية.
  5. دراسة أنشطة الشركات جيداً، حيث إذا تعدت مكاسب الشركة أكثر من 5% من الأنشطة المحرمة، فلا يجوز تداول أسهم هذه الشركات.
  6. لا يجوز تداول أسهم شركات تتعدى ديونها 33%.

تداول العملات (الفوركس) شروط جوازه ومتى يكون محرماً.

هناك العديد من الضوابط الشرعية التي تقيض عملية تداول العملات (فوركس)، حيث أن لها أحكاماً مفصلة يجب دراستها بتمعن. وفي ما يلي سوف نحدد متى يجوز تداول العملات؟ ومتى يصبح حراماً؟

شروط جواز تداول العملات:

  • أن يتم التداول بشكل فوري دون تأجيل أو تسويف.
  • أن يتم التداول في مواقع إسلامية لا تستخدم فوائد التبييت، وفي حالة التعامل في منصات عالمية، يجب عدم التعامل مع فوائد التبييت.
  • يجب أن يكون بيع وشراء العملات مبنياً على تحليلات علمية ومنطقية، وأن يكون بعيد كل البعد عن المقامرة والمخاطرة، فلا حرج من شراء اليورو مقابل الدولار أو العكس، إذا كان هذا مبنياً على تحليلات علمية وتوقعات منطقية ودراسة شاملة، أما ما دون ذلك يعد في نظر الإسلام مقامرة لا تجوز شرعاً.
  • لا يجوز أن يكون بيع وشراء المعلومات مبنياً على معلومات مُسربة غير متاحة للجميع، أما إذا كان البيع والشراء نتيجةً إلى مقالات اقتصادية أو معلومات علمية دقيقة فلا حرج من هذا.
  • أن لا يتم التعامل بالرافعة المالية.

متى يصبح التعامل بالفوركس حراماً؟

  • تداول العقود الآجلة، لأن هذا يخالف شرط الفورية.
  • أن يتم التعامل بفوائد التبييت، عند تأجيل الصفقة إلى اليوم التالي.
  • أن يتم التعامل مع الرافعة المالية، التي تسمح للمتداول التداول بمال لا يملكه من الأساس، وهنا تزيد نسبة المخاطرة والخسارة، التي قد تؤدي إلى عواقب ما كانت في الحسبان. وقد بسطنا حكم الرافعة المالية في الاسلام
  • أن يدخل المتداولون في رهان، وعلى أساسه يبيعون ويشترون العملات.
  • أن يتم اتخاذ إجراءات البيع والشراء توافقاً مع تسريبات حصل عليها المتداول. مثال على ذلك، أن يكون المتداول يعمل في جهات رسمية أو على علاقة بصناع القرار أو غيره من احتمالات، وأن يحصل على معلومات لا يمكن لغيره الحصول عليها، وعلى هذا الأساس يقوم ببيع أو شراء العملات الأجنبية وفقاً للمعلومات التي وصلت له، وهنا بالتحديد سوف تحاوط الشبهات الشرعية المتداول. لكن إذا كانت قراراته نابعة من علم ودراسة عميقة للسوق المالي والاقتصادي فلا حرج في هذا.

مع اجتناب جميع هذه النقاط يصبح الفوركس حلالاً مثل أغلب أنواع التداول الأخر، ولا حرج على المتداول بأي شكل. وقت تحدثنا بتوسع عن حكم تداول العملات في الاسلام في مقالة سابقة

تداول السلع والمعادن: الذهب، الفضة والنفط

بشكل عام أجاز علماء المسلمين المضاربة في البورصة في السلع الحلال مثل الذهب، الفضة، النفط وغيرها من السلع التي أجازها الشرع، مع الحرص على الالتزام بالضوابط الشرعية عند التداول في هذه السلع، والتي سوف يتم توضيحها بشكل مفصل:

  • تداول أي سلعة باستثناء الذهب والفضة

هناك أربع حالات شائعة في السوق عند تداول السلع مثل النفط، في ما يلي نوضح الحكم الشرعي لكل حالة:

  1. الحالة الأولى، يسلم المشتري السلعة أو إيصالات تدل على ملكيتها، ويستلم البائع الثمن في نفس جلسة البيع وبشكل فوري، وحكم هذه الحالة الجواز بإجماع علماء المسلمين.
  2. الحالة الثانية: أن يُضمن حق البائع في تسلم الثمن، وحق المشتري في تسلم السلعة، لكن يمكن تأجيل التسليم بضمان السوق، وهذه الحالة جائزة شرعاً.
  3. الحالة الثالثة: أن تكون السلعة غير موجودة في الأساس عند البائع، لكنها موصوفة، ويُدفع الثمن عند التسليم، وهذا لا يجوز شرعاً.
  4. الحالة الرابعة: هي نفس ما يحدث في الحالة الثالثة، مع وجود شرط بالغ الخطورة، ألا وهو إلغاء العقد بدون أي شروط، وهذا بالطبع حرام شرعاً بصورة قاطعة. وجب التنويه أن هذه الحالة منتشرة كثيراً في سوق تداول السلع لاسيما النفط، وقد حرمها العلماء بصورة واضحة قاطعة.
  • تداول الذهب والفضة:

تختلف شروط تداول الذهب والفضة عن باقي السلع في قاعدتين، نبرزهم في ما يلي:

  • التقابض: وهو بمعنى أن يتم تسليم الذهب في الحال دون أي تأجيل عند قبض ثمنه.
  • التماثل: إذا تم تبادل الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة يجب أن يكون بنفس الوزن دون أي تغيير أو تبديل.

بالإضافة إلى هذين الشرطين من الضروري الالتزام بالقواعد الأخرى الضابطة للتداول مثل تحمل المكسب والخسارة وغيرها من هذا القبيل.

تداول العقود مقابل الفروقات (CFD) : هل هو جائز شرعاً؟

ظل سؤال هل العقود مقابل الفروقات (CFD) محل خلاف وجدل بين العلماء المسلمين، وبات هذا السؤال يطرح نفسه منذ أن انتشرت منصات التداول في العالم العربي والإسلامي. في حقيقة الأمر وبكل وضوح لا يوجد إجابة محددة لهذا السؤال، ولا تستطيع الجزم بأن التداول حلال أم حرام، لكن ما يمكن فعله هو عرض فتاوى العلماء المسلمين، ويبقى القرار الأخير للمتداول، هو من يحدد ارتاح للأمر أم لا؟

  • علماء حرموا تداول العقود مقابل الفروقات (CFD): على حسب الإعلان الذي صدر عن مجمع الفقه الإسلامي عام 1992، فإنه يحرم التعامل بالعقود مقابل الفروقات، وبرر العلماء هذه الفتوى للأسباب التالية:
  1. يعتبر هؤلاء العلماء أن عقود الفروقات تدخل في دائرة بيع الغرر، حيث لا يعلم كل من البائع والمشتري القيمة الحقيقية للأصل المالي الذي سوف يتم دفعه في تاريخ التسوية.
  2. بنى العلماء أيضاً رأيهم بحرمانية عقود الفروقات على أساس أنه نوع من أنواع القمار، حيث يراهن المتداول على الأسعار المستقبلية، وغالباً الأمر مبني على التوقعات وليس على دلائل علمية منطقية، وهذا على حسب اعتقاد هؤلاء العلماء.
  3. أجمع العلماء بشكل قاطع على حرمانية التعامل بالرافعة المالية، والتي تعتبر مثالاً على القروض الربوية، التي تحيط المتداول بعواقب وخيمة.
  • قلة قليلة من العلماء أباحوا تداول العقود مقابل الفروقات، مثل الدكتور علي جمعة مفتي مصر سابقاً، وأيضاً الدكتور نزيه حماد أفتى بجواز تداول عقود الفروقات، وعموماً وضع العلماء المسلمون الذين أجازوا هذا النوع من التداول بعض الشروط كي لا يقعوا في الحرمانية، تتلخص هذه الشروط في النقاط التالية:
  1. أن تخلو المعاملات من أي شكل من أشكال الفوائد الربوية.
  2. أن يتوفر شرط التقابض الحقيقي، ونجد هذا متاحاً في الحسابات الإسلامية في بعض المنصات.
  3. أن يتم التداول في أصول مباحة.

في النهاية وبعد قراءة الأسباب التي استند عليها كل فريق في فتوته، يستطيع المقبل على التداول تحديد موقفه، والتفكير بعمق قبل الإقبال على هذا النوع من التداول، ولا ننكر أن العامل القلبي قد يأخذ دوراً كبيراً في تحديد موقف الإنسان، فالأمر هنا متروك لراحة الإنسان وشعوره القلبي، وهذا استناداً على ما قاله الرسول الكريم: (استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك.)

تداول العملات الرقمية ( الكريبتو ) : رأي الفقهاء حول العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثريوم.

ليست هذه المقالة أهلاً للفتوى، إنما ننقل فيها رأي العلماء بشكل أمين كي نستطيع الحصول على إجابة منطقية، ومن ضمن العلماء الذين تحدثوا باستفاضة في هذا الأمر، الدكتور عبد الله السلمي، وهو عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء، وقد قال الشيخ أن العلماء اختلفوا على شرعية التعامل بالعملات الرقمية أو كما تُعرف بالكريبتو، ولكي نبسط رأي الشيخ فقد قال أن العملات الرقمية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وعلى حسب هذه الأقسام يُحدد مدى شرعية هذه العملات الرقمية، وعلى النحو التالي يمكن تقسيم الكريبتو إلى ما يلي:

  1. عملات رقمية مبنية على معاملات محرمة مثل تجارة الخمور، وقطعاً هذا النوع من العملات لا يجوز بإجماع العلماء.
  2. عملات مبنية على تعاملات ربوية، وهذه أيضاً لا تجوز باتفاق العلماء.
  3. عملات مبنية على أصول شرعية، وأفتى العلماء بجواز الاستثمار في هذه العملات. وعلى الرغم أن هناك بعض الغموض الذي يحيط هذه العملات، لكن من أفتى من الشيوخ جواز تداول هذه العملات، أن الأصل في الأشياء الجواز. من الهام أيضاً أن يضع المتداول في باله أن من أفتى جواز تداول العملات الرقمية، أفتى أيضاً أنه لا يجوز المقامرة فيها.

إذاً كي تتدخل معاملات تداول في إطار الشرعية، ولا يمس بالثوابت الشرعية، يجب الالتزام بالشروط التالية:

  • استقلالية العملات الرقمية وعدم اعتمادها على شركات محرمة مثل شركات بيع الخمور وغيرها.
  • أن تُتاح العملات الرقمية على منصات تداول إسلامية، لا تتعامل بالربا وتضع هذا قانوناً ثابتاً على كل المتداولين في الصفحة.
  • يجب أن تُعامل هذه العملات كأي سلعة، وأن لا تأخذ قيمتها من اعتبارات وهمية مبنية على المقامرة والرهان.
  • عدم خوض صفقات تعتمد على الغرر والمبالغة في المخاطرة، وأن تكون كل اعتبارات تداول هذه العملات مدروسة بشكل علمي ممنهج.

وقد تحدثنا بشكل موسع في مقالة سابقة عن حكم تداول العملات المشفرة في الاسلام

يمكن توضيح مشروعية تداول كل عملة رقمية على حدى، من خلال طرح ما يلي من أسئلة:

  • هل يجوز التعامل بعملة البيتكوين؟ لا تخرج آراء العلماء في هذا الأمر عن الحكمين التاليين:
  1. بعض العلماء يرون أن تداول عملة البيتكوين حرام شرعاً، وفسروا ذلك بأنه يدور حول تلك العملة الكثير من الغموض، ولا يُعلم ما هو مصدرها الحقيقي، ولا يوجد لها مركزية ثابتة، ويترتب على ذلك أنه لا يوجد أي أسس علمية على أساسها يمكن توقع ارتفاع قيمة هذه العملة أو انخفاضها، مما يدخل في دائرة بيع الغرر المحرم، كما أن بعض العلماء المعاصرين يرون أنها تدخل في نفس الحكم الشرعي للقمار.
  2. جزء آخر من العلماء يرى أن البيتكوين يمكن اعتبارها كأي سلعة في السوق، لها قيمة مقابل العملات العالمية أو حتى المحلية، وعلى الرغم من ذلك لم يستطيع العلماء تحديد المعايير التي على أساسها تحدد قيمة هذه العملة.
  • هل يجوز التعامل مع عملة الإيثريوم?
  1. أصدرت دار الإفتاء المصرية عام 2018 فتوى تنص على حرمانية التعامل بعملة الإيثريوم لأنها غير مستقرة وتحتوي على مخاطر جمة، كما أُثبت أنها تستخدم أنشطة غير مشروعة، وهذه الفتوى موافقة للفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في السعودية.
  2. على حسب الرأي الصادر من الشيخ عبد الله السلمي، فإنه يجوز الاحتفاظ بهذه العملات الرقمية بهدف الاستثمار، أما في حالة المقامرة بها هُنا تأتي الحرمانية.

الرافعة المالية و الهامش في التداول الإسلامي

تعريف الرافعة المالية وكيف تعمل؟

شغل مصطلح الرافعة المالية أذهان الكثيرين في الآونة الأخيرة، لما قد تحققه من مكاسب طائلة للمتداول في مدة قصيرة، وما يجعل الرافعة المالية مثيرة للاهتمام أكثر أنها تتيح للمتداول على المنصات التداول بأضعاف المبلغ الفعلي الموجود في حسابه، الأمر الذي يجعل فرصة المتداولين -لاسيما المبتدئين منهم- فرصةً كبيرة جداً في تحقيق مكاسب كبيرة، وتُعرف الرافعة المالية، بأنها عملية تسمح للمتداول باقتراض مبلغ معين من الوسيط في منصة التداول، حيث يقوم المتداول باستخدام هذه المبلغ في التداول، ويُعبر عن الرافعة المالية كنسبة، حيث تشير هذه النسبة إلى العلاقة بين حجم المبلغ في حساب المتداول و حجم المبلغ المسموح أن يتداول به على المنصة. كأن يستعمل المتداول رافعة مالية بقدر 1:100، هذا يعني أنه يستطيع اقتراض 100 ضعف المبلغ الذي أودعه في حسابه، ويستطيع دخول صفقات تداولية به، ويُشترط لاستخدام الرافعة المالية أن يضع المتداول مبلغ في حسابه كضامن. على سبيل المثال إذا استخدم المتداول رافعة مالية بقدر 1:10 يجب عليه وضع 10% من حجم الصفقة في حسابه كضامن، ويُعرف هذا المبلغ بالهامش.

لنفهم كيف تعمل الرافعة المالية بصورة أوضح؟ يمكننا ذلك من خلال طرح مثال عن متداول يريد التداول في منصة فوركس، لنعتبر أن المتداول يملك في حسابه مبلغ بقدر 500 دولار، وقرر أن يتداول زوج GBP/USD (الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي)، نفترض أن الوسيط الذي يتعامل معه المتداول يوفر رافعة مالية 1:50، هذا يعني أن المتداول يمكنه تداول مبلغ بقدر خمسين ضعف المبلغ الموجود في حسابه، أي 25000 دولار. إذا كان سعر الصرف وقتها (1 جنيه = 1.25 دولار)، عند استخدام رافعة مالية 1:50 يمكن شراء 50000 وحدة بدلاً من 400 وحدة فقط، إذا ارتفع ارتفع السعر مثلاً (1 جنيه = 1.2550) يحقق المتداول ربحاً بقدر 250 دولاراً، أما إذا انخفض سعر الدولار( 1 جنيه = 1.2450) سوف يخسر المتداول 250 دولاراً، وإذا استمر هذا السعر بالانخفاض قد يخسر المتداول كل المبلغ الذي أودعه بالإضافة إلى المبلغ الذي اقترضه من الوسيط في شكل رافعة مالية. في المقابل إذا استمر سعر الدولار في الارتفاع مقابل الجنية الإسترليني سوف يجني المتداول أرباحاً طائلة ربما تصل إلى ثروة كبيرة إذا ظل السعر في الارتفاع أو إذا دخل المتداول في صفقات أكبر.

يبدو في ظاهر الأمر أن الاستعانة بالرافعة المالية فرصة ذهبية، لأن المتداول يستطيع تحقيق مكاسب طائلة حتى ولو أنه لا يملك رأس المال، لكن ماذا لو لم تنجح صفقة المتداول؟ إنه أيضاً سيتحمل الخسارة، ويتحول إلى مديون بدلاً من تحقيق المكاسب، وهنا فقط نستطيع أن نسأل: ما حكم الشرع في الرافعة المالية؟ وكيف ينظر إليها؟ هذا ما سوف نوضحه عند إجابة السؤال التالي.

هل الرافعة المالية جائزة شرعاً؟

أجاب عن هذا السؤال مجمع الفقه الإسلامي، أنه يحرم استخدام الرافعة المالية وقد نقلنا سابقا حكم الرافعة المالية في الاسلام ، وتكمن أسباب التحريم لما يلي من أسباب:

  • التعاملات الربوية، ويتضح هذا بفرض رسوم التبييت على المعاملة المالية، عند تأجيل الصفقة إلى اليوم التالي، وتعد رسوم التبييت فائدة ربوية كما يرى علماء مجمع الفقه الإسلامي.
  • الجمع بين السلف والسمسرة (المعاوضة)، حيث يشترط الوسيط الذي يقرض المتداول التعامل عن طريقه فقط وأن تكون تجارته معه فقط، وهذا الأمر لا يجوز شرعاً وفقاً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل سلف وبيع …).
  • أصول الأموال التي تقوم عليه هذه المعاملة بالتحديد غير معروفة، منها من يتعامل مع شركات مجهولة النشاط، ومنها القائم على المتاجرة في السندات، وهذا أيضاً لا يجوز شرعاً، وفي حالات كثيرة يبيع الوسيط ما لا يملك، بمعنى أنه يقرض المتداول أموالاً لا يملكها من الأساس.
  • المخاطرة الكبيرة في الأمر، لا ننكر أن الإسلام لا يشجع أن يكون المسلم جباناً ويحثه دائماً على الإقبال والمبادرة، لكن يكون هذا مع إعمال العقل والتفكير في كل العواقب والمنافع بطريقة منطقية. إذاً من المشروع المخاطرة لكن بنسبة معينة وإلا سوف يقع المتداول في الحرمانية، والدليل على هذا ما قاله الله جل جلاله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 195 البقرة

حسابات التداول الإسلامية بدون فوائد

قبل أن نعرض أهم منصات التداول الإسلامي في عام 2025، يجب أن نوضح كيف تعمل الحسابات الإسلامية؟ وما الفرق بينها وبين المنصات الأخرى؟ لأن هناك العديد من المؤسسات التي تستغل كلمة إسلامية لتمرير جميع معاملاتها دون تحري الضوابط الشرعية كي لا تمس المعاملات المالية ثوابت وضوابط الشريعة الإسلامية.

ما هي حسابات التداول الإسلامي؟ وكيف تعمل؟

هي عبارة عن منصات تستمد جميع معاملاتها من مبادئ الشريعة الإسلامية، وتستثني جميع المعاملات المالية المُحرمة التي توجد في المنصات الأخرى، ولكي تحصل منصة اللقب الإسلامي وتكون جديرة به، يجب أن يتوفر فيها الشروط التالية:

  1. ممنوع التعامل بالفائدة على القروض، وفوائد التبييت لأن هذا يدخل في بند الربا، وهذا لا يعني أن منصات التداول الإسلامية لا تفرض أي رسوم لكنها تعتمد على رسوم سبريد، وهي الفرق بين العرض والطلب، وبهذه الرسوم تستطيع تمويل مشروعاتها.
  2. تَحَمُل جميع أفراد الصفقة مخاطرها ومكاسبها على حد السواء، هذا ما يجعل جميع المقبلين على الصفقة تحري الدقة قبل أن يتخذوا أي قرار.
  3. حظر استخدام الأدوات شديدة المضاربة، التي تحمل مخاطر كبيرة غير محسوبة.
  4. منع تداول أسهم الشركات التي تتاجر في أنشطة محرمة أو تتعامل معها من قريب أو بعيد.

مخاطر الفوركس ومدى توافقه مع الشريعة الإسلامية

عندما نذكر مخاطر الفوركس والتداول بشكل عام في أي منصة، فإننا لا نحذر الناس منه، ولا نخوفهم من الفكرة نفسها، إنما نعرض المخاطر كي يكون المتداول على بينة ويستطيع إدارة هذه المخاطر، والخروج بأقل الخسائر منها إذا ما حدثت لا قدر الله، وفي ما يلي أهم المخاطر التي قد تواجه المتداول:

  • المخاطر المتعلقة بالرافعة المالية، وبالأخص لدى المتداولين الجدد، الذين يمتلكون حماسة كبيرة وجهل أحياناً بالعواقب، حيث يوجد بعض المتداولين يستخدمون أكثر من رافعة مالية في نفس الوقت، ومع الأسف الكثير من منصات التداول لا تضع حداً أدنى لعدد مرات استخدام الرافعة المالية، مما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة، وقد بينا في ما سلف رأي الشرع في الرافعة المالية، وذكرنا أن العلماء قد حرموا التعامل بها.
  • عدم ثبات الفائدة وأسعار الصرف، فمن الضروري أن ينتبه المتداول في فوركس أن ما يحدد سعر صرف العملة بصورة كبيرة، هو قيمة الفائدة عليها، فكلما زادت زادت قيمة الفائدة زاد الإقبال على العملة وجذب ذلك المستثمرين، لذلك من حسن التصرف أن يدرس المتداول تغيرات السوق، ولا يتخذ أي إجراء قبل فهم تبعياته.
  • المخاطر الجيوسياسية، لا شك أن عملة أي دولة تتأثر بالأحداث السياسية التي تحدث بها، وقد تتأثر بالأحداث البيئية وغيرها من متغيرات وتطورات، مما يتوجب على المتداولين دراسة هذه الأحداث جيداً. على سبيل المثال قد تؤثر الأحداث السياسية في أمريكا على سعر الدولار، كما أن سعر الجنيه الإسترليني تأثر عام 2015 عندما قررت المملكة المتحدة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهكذا بالنسبة إلى أدق التفاصيل والأحداث، فإنها قد تؤثر على سعر العملة بصورة مباشرة، وهنا فقط تأتي أهمية العلم والدراسة الدقيقة لمعطيات الأمور.

رأي العلماء والمؤسسات الإسلامية حول التداول

فتاوى المجامع الفقهية حول التداول

إليكم خلاصة فتاوى المجمعات الفقهية الإسلامية، والتي حذرت من بعض المعاملات المالية في عالم التداول:

  • أفتى مجمع الفقه الإسلامي الدولي بتحريم البيع الآجل للعملات، لأنه من ضمن بيع الغرر.
  • تم تحريم المتاجرة بالهامش حسب فتوى مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
  • ترى دار الإفتاء المصرية أن معاملات الفوركس لا تجوز شرعاً، لما يُقال أن بها بعض الممارسات الغير شرعية والمخاطر الكبيرة.
  • أما عن دار الإفتاء الأردنية، فإنها لم تحرم التداول عبر منصات الفوركس، لكنها اشترطت أن يراعي المتداول الضوابط الشرعية أثناء عمله، مثل عدم جواز استخدام الرافعة المالية وتجنب عقود الفروقات.
  • صدر تصريح عن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، بجواز التداول في الشركات ذات الأنشطة الحلال، وعدم جواز التعامل مع أي شركات هدفها الأساسي محرم أو حتى جزئاً من أهدافها كذلك.

آراء الفقهاء حول منصات التداول المختلفة

لمزيد من التأكيد والتوضيح، نعرض في ما يلي آراء الفقهاء في التداول بشكل منفرد، مع العلم أن هؤلاء العلماء اجتهدوا في البحث، وأن أي تناقض في ما بينهم لا يعني خلل آرائهم أو ضعف علمهم، إنما هي اجتهادات والأمر في النهاية متروك إلى المتداول نفسه، إلى أي رأي يرتاح؟ وأي عالم فيهم لديه أقوى الأدلة، سوف نبرز هذا في النقاط التالية:

  1. الشيخ عبد الله بن جبرين: اعتبر الرافعة المالية قرضاً يتعامل بالربا، لذا أفتى بحرمانية هذه المعاملة.
  2. الشيخ يوسف الشبيلي: لم يصدر حكماً نهائياً في مسألة العملات الرقمية، والجدير بالذكر أن هناك غموضاً كبيراً حول هذه العملات، وعدم فهم عن مصدرها، لذلك لم يعطي الشيخ رأياً حاسماً، وقال أن هذا الأمر حديث ويحتاج إلى الكثير من الفهم والدراسة كي يتم إصدار قولاً نهائياً فيه. عموماً هذا بطبيعة حال أي شيئ مستجد، ونذكر هنا عندما ظهرت القهوة لأول مرة في عاصمة الدولة العثمانية أصدر المفتي أبو السعود أفندي فتوى بتحريمها، ثم توالت الفتاوى إلا أن فهم العلماء ما هي طبيعة هذا المشروب العجيب؟ وأصدروا أخيراً فتوى بتحليلها.
  3. الشيخ يوسف القرضاوي: أفتى بجواز شراء الأسهم وتداولها، مع الحفاظ على الضوابط الشرعية، وعدم تداول أسهم شركات تتعامل مع المحرمات.
  4. الشيخ محمد بن صالح العثيمين: أفتى بجواز شراء العملات، على أن يتم التقابض في نفس مجلس العقد، وحذر كل التحذير من أي تأخر قد يؤدي يوقع المتداول في فخ الربا.
  5. الشيخ عبد العزيز بن باز، أجاز بيع وشراء العملات المختلفة، بشرط تساوي المقدار، والتفاضل إذا اختلف نوعها، واستند الشيخ إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)

 استراتيجيات التداول الحلال

يعتقد الكثيرون أن التداول عبارة عن ضربة حظ ومجازفة، إما أن تحقق لصاحبها مكاسب كبيرة، وإما أن تصحبه إلى مخاطر لا يحسد عقباها، لكن هذا الاعتقاد غير صحيح، ومن يعتقد بهذه المفاهيم عليه تغيير وجهة نظره بشكل ضروري، لأن هناك علم قائم على الدراسات التحليلية التي تهدف إلى دراسة معلومات وافية وكافية تتعلق بالأصول التي يتم تداولها في البورصة، سواء كانت هذه الأصول عبارة عن سهم من أسهم الشركات أو زوج العملات الأجنبية، كما تقدم الدراسات التحليلية نقاط القوة والضعف في الأصل المُراد التداول فيها. إن هذه الدراسات تفيد المتداول في اتخاذ القرارات الصحيحة المبنية على أسس علمية، لذلك نستطيع القول قطعاً أن التداول والمضاربة في البورصة ليست مبنية فقط على الحظ والمجازفة، وإلا لم يحللها علماء المسلمين كما أسلفنا بالذكر في هذه المقالة، بل أنها أيضاً بحاجة إلى دراسة تحليلية عميقة كي ينجح المتداول ويحقق أعلى الأرباح.

لو كان التداول معتمداً فقط على ضربة الحظ والصدفة البحتة، كان ولابد أن حرمه العلماء بكل صوره وأشكاله، لكن العلماء وضعوا ضوابط للتداول ولم يحرموه، لأنه يعتمد على التحاليل والدراسات، ونستطيع القول أن التحليل الأساسي والتحليل الفني، هم صلب التداول الحلال، والاستراتيجيات التي يسير عليها كل من يتحرى الحرام من الحلال، ويوجد فرقاً جوهرياً بين التحليل الأساسي والمنطقي، سوف نوضحه خلال الفقرات التالية.

التداول بناءً على التحليل الأساسي

في التحليل الفني يقوم المحللون بدراسة سعر السهم سابقاً وحجم تداوله، ويقارنون الأسعار وحجم التداول للسهم بسعره في الوقت الحالي، ثم يقومون بترجمة هذه المعلومات على شكل مؤشرات ورسومات بيانية. غالباً من يعتمد على التحليل الفني للأسهم وأزواج العملات هم من يبحثون عن مكسب سريع، ويرى المحللون الفنيون أن المتداول ليس بحاجة إلى فهم وتحليل العوامل المحددة لسعر السهم وحجم تداوله، لكنهم فقط بحاجة إلى دراسة المؤشرات، وهذا على عكس التحليل الأساسي الذي سوف نشرحه في الفقرة المقبلة.

التداول بناءً على التحليل الفني

التحليل الأساسي يعتمد عليه المستثمرون الهادفون إلى الاستثمار طويل الأمد، ولا ينظرون إلى المدة القصيرة، لهذا في التحليل الأساسي يعتمد المحللون على العوامل التي تحدد سعر السهم وحجم تداوله بغض النظر عن الأسعار الفعلية للأسهم سابقاً ومقارنتها بالوقت الحالي، ويرى المحللون الأساسيون أن مؤشرات الأسهم سابقاً ليست مهمة بل أن المهم هو دراسة العوامل المؤثرة في سعر السهم ومدى إقبال المتداولين عليه. هناك العديد من العوامل التي تحدد سعر السهم منها الداخلية ومنها الخارجية، وتتضمن هذه العوامل، السياسية، النشاط الاقتصادي، النشاط الصناعي والأسواق المالية، لذلك إذا كان هدف المتداول هو الاستثمار طويل المدى، يجب عليه أخذ التحليل الأساسي في عين الاعتبار.

المضاربة المشروعة في الإسلام

في البداية يجب توضيح مفهوم المضاربة، وهي أن يقوم شخصاً بإعطاء شخص آخر رأس مال بهدف تشغيله في مشروع ما، ويُسمى من سوف يدير المشروع بالمضارب، حيث يتقاسم الأرباح مع صاحب رأس المال في صورة نسبة ثابتة وفقاً لاتفاقهم من البداية، وعلى نفس الوتيرة المضاربة في البورصة هي أن يعطي شخصاً ما رأس مال للمتداول يسمح له التداول على مختلف المنصات، على أن يتقاسم كل من المتداول وصاحب رأس المال الأرباح وفقاً للنسب التي اتفقوا عليها منذ البداية، وقد حلل الشرع المضاربة بشرط أن تلتزم بما يلي من شروط:

  • أن يتفق صاحب رأس المال والمضارب على نسب الربح من البداية، ويكون هذا الاتفاق موضحاً في العقود بصورة جلية، ولا يجوز أن يشترط المضارب مبلغاً ثابتاً، لأنه من الممكن أن لا يجني المشروع سوى هذا المبلغ فقط مما يعود بالضرر على صاحب رأس المال.
  • في حالة وجود خسائر سوف يتم خصمها من رأس المال، ولا يجب تحميل المضارب هذه الخسارة لأنه مجرد عامل أمين على رأس المال.
  • يجب أن يكون رأس مال المضاربة معلوماً لكل الأطراف، ولا يجوز أن يتم استعمال دين أو أي مال لا يخص مالك المشروع  في المضاربة.
  • من حق المضارب مطلق التصرف دون تدخل صاحب رأس المال لأنه وكله من البداية للعمل.

 شركات التداول الإسلامية: معايير الاختيار

كيف تعرف أن شركة التداول متوافقة مع الشريعة

لكي يتأكد المتداول أن منصة التداول التي يتعامل معها موافقة للشريعة الإسلامية، لا يكفي النظر إلى وصف الشركة التي تصف نفسها على أنها منصة إسلامية، بل يجب تحري ذلك من خلال الخطوات التالية:

  • وجود هيئة شرعية قائمة على الشركة يعطيها الكثير من المصداقية، وتجعل المتداول مطمئناً بشأن أنشطة وممارسات الشركة، وأنها لا تخالف الشريعة في أي صغيرة أو كبيرة.
  • يجب أن توفر الشركة حسابات إسلامية، لا تتعامل بالربا، وهنا وجب التنويه أن بعض الشركات تفرض رسوماً ربويةً خفية، لذا يجب تحري الدقة عند اختيار منصة التداول الإسلامية، والتأكد أنها لا تفرض فوائد ربوية تحت مُسمى الرسوم الإدارية أو إلى ما غيره من هذا القبيل.
  • تأكد أن شركة التداول لا تقدم خيار الرافعة المالية بشكل ربوي، ويوجد بعض منصات التداول الإسلامي التي تتيح رافعة مالية دون فوائد ربوية.
  • يكمن دور كبير أيضاً على المتداول، حيث يجب عليه القراءة والبحث عن الفتاوى وآراء العلماء، لأن آرائهم تختلف، كما أن كل نوع من التداول له حكم شرعي معين كما ذكرنا في ما سبق.
  • أن توفر الشركة الإسلامية عمليات تداول فعلي للأصول، ولا يعتمد الأمر فقط على العرض والطلب على الأسهم والمضاربة في الأسعار.
  • لا يكفي أن أن يعتمد الراغب في التداول على كون الشركة إسلامية، لأن هناك العديد من الشركات تستغل الدين كي تمارس الاحتيال وتكون غير موثوقة، لذلك قبل التعامل مع أي شركة يجب أن يتأكد المتداول من تراخيص الشركة، وأن يراجع تقييمات العملاء وآرائهم في التجربة مع الشركة.

 التداول والاستثمار وفق القيم الإسلامية

عندما يفرض الإسلام شروطاً وأسساً معينة للمعاملات المالية، فإن هذا لا يأتي بغرض المشقة على المتداولين بل إنه نابع من باب تنظيم شؤونهم وسير تعاملاتهم بطريقة سليمة، كما تكفيهم هذه القواعد الشرور الناتجة عن المخاطرة الغير محسوبة والمقامرة المُحرمة في الإسلام، لذلك يجب على المسلم أن يعلم أن القواعد المفروضة عليه هي وُضعت في الأساس كي تحفظ حقوقه وتحمي مصالحه، حتى وإن لم يظهر هذا بصورة مباشرة. ومن المهم أن يعلم المسلم أيضاً أن هناك بعض الأخلاق التي يجب عليه التحلي بها كي تستقيم معاملاته، نوضح هذا خلال الفقرات التالية

أهمية الأخلاق في المعاملات المالية

من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية التحلي بالأخلاق الحسنة أثناء تعاملات الإنسان في حياته، وتعتبر التعاملات المالية بين البشر من أهم المعاملات التي يجب على المسلم أن يبرز أخلاقه وقيمه فيها، كما ينبغي عليه أن يضع في الاعتبار أن كل ما يملكه ليس ملكه في الحقيقة، إنما هو مجرد وكيل مستأمن على كل ما يملكه في حياته، وأنه خليفة الله في الأرض، فلو وضع المسلم هذه الاعتبارات في حياته يستحيل أن يغش أو يخون الأمانة، يستحيل أن يتحايل أو يكذب، سوف يراعي ضميره في كل صغيرة وكبيرة وسوف يراقب الله جل جلاله في أدق التفاصيل وأبسطها على الإطلاق، وعندما يتسم المسلم بالأخلاق في معاملاته، مثل الصدق، الأمانة، عدم استغلال حاجة البائع المادية للبيع وبخس حقه، عدم استغلال جهل المشتري بالقيمة الحقيقية لسعر سلعة ما، الشفافية أثناء التعامل، فإذا راعى المسلم جميع هذه الأمور، والتزم بها سوف تستقيم معاملاته المالية، ولن يُظلم أي طرف من أطراف المعاملة المالية، وسوف يأخذ كل واحد حقه، مما يعود على المجتمع ويزيد من إنتاجيته وتقدمه. ليست هذه فقط أخلاق الإسلام في المعاملات المالية بل أنه نظر إلى ما هو أعمق من هذا، ونرى هذا جلياً عندما نهى الشرع عن كنز الأموال وعدم تشغيلها وإنفاقها، بل يحث الدين الحنيف المسلم على تشغيل أمواله كي ينفع نفسه، أسرته ومجتمعه، وأكبر دليل على ذلك أنه فرض زكاة المال، على الأموال الجامدة التي لا تعمل في أي مشروع، متجلياً هنا في عظمته، حيث يأمر الشارع أن يشغل الإنسان ماله كي يعود النفع على العامة والخاصة.

مبدأ تحمل المخاطر في الشريعة الإسلامية

مبدأ تحمل المخاطر موجود في الشريعة الإسلامية، ولكنه ينبع من قاعدة مهمة جداً، ألا وهي الغنم بالغرم، بمعنى بقدر ما يتحمل المخاطر المخاطر فإنه يتحمل المنافع على حد السواء، وهذا من عدالة الإسلام المطلقة واهتمامه بأدق التفاصيل، ويمكن صياغة تحمل المخاطر في الإسلام في شكلين على النحو الآتي:

  • المخاطرة الحلال في الإسلام: ولكي تكون المخاطرة مباحة يجب أن تُبنى على تجارة حقيقية وجهد مبذول، على عكس المعاملات المالية المبنية على الرهان والمقامرة، حيث أن من يتجهون إلى هذا النوع من المخاطرة لا يحسبون العواقب، ويعتمدون على ضربة الحظ وهذا لا يجوز شرعاً في الإسلام.
  • المخاطرة الحرام في الإسلام: إن الفاصل بين الحلال والحرام شعرة، إلا أن تأثير هذا الاختلاف عظيم، فَمتبع المخاطرة الحرام قد يجني عواقب وخيمة تؤدي إلى خسارته وهلاكه، وتشمل المخاطرة الحرام جميع أشكال الرهان والمقامرة وعدم وضوح العقود بين البائع والمشتري، كما أن اتخاذ قرارات غير محسوبة مبنية على التخمين المفرط وضربة الحظ تدخل ضمن المخاطرة المحرمة في الدين الإسلامي الحنيف.

الابتعاد عن التلاعب والاحتيال في الأسواق المالية

للوهلة الأولى يبدو أن الابتعاد عن التلاعب وتجنب الاحتيال في الفوركس فُرض لضمان حقوق الطرف الآخر من المعاملة المالية، وإن كان هذا الاعتقاد صحيحاً لكن ليس المقصد الوحيد منه مراعاة حقوق الأطراف في الصفقة، بل هو أيضاً خير ضامن لبيئة مالية مستدامة وفقاً للقواعد والقوانين، ولكي يتصف المتداول بالابتعاد عن التلاعب والاحتيال في التداول من الضروري أن يتبع ما يلي:

  • يحرم الإسلام أن يعتمد المتداول على معلومات مسربة غير متاحة لعامة المتداولين، حيث يجب على المتداول أن يتخذ خطواته وقراراته وفقاً لدراسة تحليلية وليس معتمداً على معلومات مسربة.
  • الالتزام بقوانين التداول، ووضع الشروط المتفق عليها نصب اهتمام جميع الأفراد.
  • عدم الإنصات للشائعات المضللة، التي تهدف إلى جعل المتداولون يرتكبون الأخطاء ويصبحون ألعوبة في أيدي هؤلاء الذين أشاعوا المعلومات المضللة.
  • يتوجب على المتداول عندما يرى أي مخالفات أن يبلغ الجهات المختصة، فهذا من باب الصدق والإخلاص والالتزام بالعهود.
  • الصدق والشفافية أثناء تقديم البيانات، فهذا الذي يخلق الثقة بين المتداولين، ويضمن بيئة استثمارية خصبة جاذبة للمزيد من المستثمرين.

البدائل الشرعية للتداول المحرم

ليس الإسلام ديناً جامداً، عندما يحرم تعاملات معينة، فإنه يضع أمام المتداول خيارات عديدة، ولا يغلق عليه أبواب الكسب، في ما يلي نعرض أهم البدائل الحلال المتاحة أمام المتداول المسلم.

الاستثمار في الأسهم النقية

بدلاً عن أسهم الشركات ذات الأصول المحرمة، يتاح أمام المتداول المسلم الاستثمار في الأسهم النقية والتداول فيها دون أي حرج، وتعرف الأسهم النقية على أنها أسهم الشركات التي لا تتعامل في المحرمات، ولا تتاجر في الديون، كما أن الشرع يشترط أن لا تكون الشركات مديونة بأكثر من 30% من رأس مالها وفقاً لأغلب الآراء الشرعية، إلا أنه لم يتفق جميع العلماء على نسبة معينة.

الصناديق الاستثمارية الإسلامية

قبل الإشارة إلى الصناديق الاستثمارية الإسلامية، يجب معرفة الصناديق الاستثمارية؟ ويمكن تعريفها على أنها أداة لجمع أموال من مستثمرين مختلفين، بهدف استثمار أموالهم في أصول مالية مختلفة، وهذا ما يميز الصناديق الاستثمارية، حيث أن الميزة فيه أن المستثمر يستثمر أمواله في أصول مالية مختلفة تتنوع بين، الأسهم، العملات، السندات، العقارات وغيرها من أصول، وبديهياً هذا التنوع في الأصول يقلل من المخاطر التي قد يتعرض إليها المستثمر إذا ما ركز كل أمواله على أصل محدد، وهنا تتجلى الحكمة المعروفة: (لا تضع البيض كله في سلة واحدة)، ويوجد عدة أنواع للصناديق الاستثمارية، منها الصناديق المفتوحة، التي تمنح حرية للمستثمرين في بيع وشراء الأسهم أو غيرها من الأصول التي قاموا بالاستثمار فيها، بشرط أن تكون مساوية للقيمة الصافية للأصول أو ما تعرف برمز NAV ، أما النوع الثاني من الصناديق الاستثمارية هو الصناديق المغلقة، ومن اسمها هذه الصناديق تطرح عدد محدود من خيارات الاستثمار، ولا يمكن بيعها إلا في السوق الثانوية، أما النوع الثالث هو الصناديق القابضة، وأشهر مثال عليها تداول الأسهم في البورصة، حيث تحتاج إلى القليل من التكاليف مع توفير سيولة كبيرة. هناك تقسيمة أخرى للصناديق الاستثمارية تعتمد على نوع الأصول المالية التي سوف يتم الاستثمار فيها، حيث أن هذه الأصول قد تتضمن الأسهم، العملات، العقارات، وهناك أيضاً أنواع من الصناديق تجمع بين الأسهم والسندات كي تحقق التوازن المطلوب وتقلل المخاطر قدر الإمكان.

وكما يتضح من كل الفقرات السابقة، الإسلام لم يحرم التداول ولا الاستثمار، بل على العكس تماماً يحث الإسلام المسلم على استثمار أمواله وعدم كنزها، كما لا يشجع على الخوف من خوض التجربة، لأن المسلم مطالب أن يكون قوياً، ولا تعني القوة القوة البدنية، بل تشمل جوانب كثيرة من القوة مثل قوة القلب والإقدام والمبادرة، فنجد أن الخوف المبالغ فيه أمر مذموم لا يشجع عليه الإسلام لا من قريب ولا بعيد، لذلك اهتم القائمون على الاقتصاد في الوطن العربي والعالم الإسلامي بطرح بدائل شرعية لا تمس الشريعة مطلقاً للتداول والاستثمار، وقد أسلفنا بالذكر منصات التداول الإسلامية وأشرنا إلى أهم الأمثلة على منصات التداول الإسلامية. كذلك يوجد صناديق استثمارية إسلامية، سنوضح معناها في الفقرة التالية.

لا يختلف معنى الصناديق الاستثمارية العادية عن معنى الصناديق الاستثمارية الإسلامية إلا في نقطة واحدة، ألا وهي التأكد من أن جميع المعاملات التي تتم في الصناديق موافقة لمبادئ الشريعة الإسلامية، ولا تخالفها في أي شيئ، إذا هذا يعني أن جميع الأصول المتداولة في هذه الصناديق أصول شرعية لا يعتمد مصدرها على أي معاملات محرمة، وبالطبع لا يتم التعامل بالفائدة الربوية في هذه الصناديق، ويمكن القول أن هناك فوائد جمة سيحصل عليها المستثمر عند تداول أمواله في الصناديق الاستثمارية الإسلامية، وتشمل هذه المنافع النقاط التالية:

  • تنويع المخاطر. على سبيل المثال إذا ركز المستثمر على الاستثمار في أسهم شركة معينة، ووضع كل أمواله في هذا الاستثمار، إذا قل سعر السهم في السوق المالي، سوف يتحمل المستثمر خسارة كبيرة لأنه وضع كل ماله في هذه الأسهم فقط، وفي حقيقة الأمر الخسارة واردة حتى مع الدراسة الوافية، صحيح أن احتمالية الخسارة عند الدراسة التحليلية احتمالية قليلة، لكنها تظل واردة، أما عندما يوزع المستثمر أمواله بين العقارات، الأسهم وغيرها سوف يوزع هذا المخاطر ويقلل من احتمالية الخسارة.
  • من المميزات الصناديق الاستثمارية أنها تُدار من قبل مختصين، هؤلاء المختصون على دراية تامة بأساليب الاستثمار الصحيحة، لأنهم مختصون قاموا بدراسة الأمر عن كثب.
  • السيولة المتوفرة، حيث يوجد مرونة في السيولة المتاحة في الصناديق الاستثمارية، مما يجعل بيئة الاستثمار خصبة ويزيد من فرص كسب المستثمرين.
  • مكان مناسب للمستثمرين الذين لا يملكون الوقت الكافي للاستثمار. والجدير بالذكر أن الصناديق الاستثمارية تخضع لإدارة متخصصة وملمة بأفضل أدوات الاستثمار، وعلى الرغم من أن هذه ميزة إلا أنها عيباً في نفس الوقت، لأن ليس من حق المستثمر التحكم في أي قرار، هو فقط مجرد مصدر للمال، لكن ليس له حق إداري أو أي حق في اتخاذ القرارات.

الصكوك الإسلامية كبديل للسندات

يلجأ الكثيرون إلى السندات الغير شرعية التي تعتمد على الفوائد الربوية لأنها مصدر جيد للتمويل، لاسيما في حالة عدم وجود رأس مال كبير لدى المستثمر، لذلك يجد الحل في الاقتراض من السندات، ولكن بالإجماع حرم العلماء الاقتراض من السندات لأنها تعتمد على الربا، ومن هنا توجب على المسلم البحث في بديل السندات وهي الصكوك الإسلامية، التي سوف نوضحها في ما يلي

على عكس السندات التي تعتبر قرضاً يعتمد على الفوائد، فإن الصكوك الإسلامية هي ملكية في مشروع معين أو أصل معين، وبالتالي عائدها يعتمد على المشروع نفسه، لذلك نجده متغيراً غير ثابت، بعكس السندات التي تعطي فائدة ثابتة في أغلب الأحيان، وهناك العديد من أنواع الصكوك الإسلامية نوضحها على النحو التالي:

  1. صكوك الإدارة، التي يتم بيع وتأجير أصول للمصدر، مما يتيح عائداً من الإيجارات.
  2. صكوك المشاركة، هي عبارة عن مشروع يشارك فيه مجموعة من المستثمرين، حيث يتحملون المكاسب والخسائر على حد السواء.
  3. صكوك المضاربة، وهي تلك الصكوك التي يمول فيها المستثمر مشروع معين، ويعمل في هذا المشروع شخص آخر، ويتم تقسيم الأرباح في ما بينهم على حسب الاتفاق.
  4. صكوك الاستصناع، وهي تلك الصكوك الممولة لمشاريع البناء، البنية التحتية، العقارات والمصانع وغيرها.

تتميز الصكوك الإسلامية بأنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتمول شتى المشروعات دون فرض فوائد ربوية، وبالفعل تكون ذات أصول حقيقية، لكن على الرغم من ذلك يظل أكبر عيوبها أن عوائدها غير ثابتة تتأثر بالأصول الممولة، لذلك يجب اختيار الصكوك بعناية ودقة كبيرة، ويجب أن تكون ذات سمعة طيبة وتجربة مشرفة بين العملاء.

الخلاصة

تلخيص أهم النقاط حول التداول في الإسلام

في ما يلي خلاصة ما ذكرناه في المقالة السابقة:

  • في العصر الحالي أصبح التداول سهلاً بسبب انتشار الإنترنت، ولم يعد مقصوراً على فئة معينة.
  • حلل العلماء التداول وفقاً لشروط معينة، من أهمها أن تكون الأصول غير محرمة ولا تكسب من حرام، وأن لا تعتمد منصات التداول على الربا.
  • إذا كان التداول سوف يؤدي إلى مخاطر كبيرة، فهذا لا يجوز، أما إذا كانت المخاطر محسوبة فلا بأس في ذلك.
  • لم يتفق العلماء على حكم تداول العملات الرقمية، لأن هناك الكثير من الغموض الذي يدور حولها.
  • حرم العلماء بالإجماع الرافعة المالية وفوائد التبييت.
  • وضع الإسلام ضوابط للمعاملات المالية، كي ينظم سير التعامل بين الناس.
  • بعض العلماء حرم التداول في منصة فوركس والبعض الآخر حلل ذلك، على أن لا تخل بشروط الشريعة الإسلامية.
  • هناك العديد من منصات التداول الإسلامية التي تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
  • العلماء الذين أحلوا التداول في منصة فوركس أو التداول في فروق العملات، وضعوا بعض الشروط من أهمها أن اتخاذ القرار في هذا الأمر يكون مبنياً على دراسة تحليلية وافية.
  • في عالم التداول لا يجوز شرعاً المقامرة والرهان.
  • هناك بعض شركات التداول الوهمية ، التي تطلق على نفسها (إسلامية) لكنها في حقيقة الأمر تفرض فوائد ربوية خفية، لذلك يجب تحري الحذر منها جيداً.
  • الفارق الجوهري بين التداول والاستثمار، أن الأول قصير المدى أما الثاني على المدى الطويل.
  • يستعين المستثمرون على المدى القصير بالتحليل الفني، أما المستثمرون على المدى الطويل يستعينون بالتحليل الأساسي.
  • أسعار الأسهم والعملة تعتمد على عدة عوامل، لذلك من البديهي أن تتغير أسعارها في ظرف دقائق.
  • من أكثر العوامل التي تعتمد عليها أسعار الأسهم والعملات العرض والطلب.
  • قبل الدخول إلى عالم التداول يجب على المبتدئ أن يستعين بالخبراء، وأن يحجم نسبة مخاطرته لاسيما في البداية.
  • الصكوك الإسلامية تعد بديلاً جيداً للسندات، التي حرمها علماء الدين الإسلامي.

نصائح للمتداول المسلم لتجنب الوقوع في الحرام

أخيراً إليك أهم النصائح كي لا تقع في الحرام أثناء التداول:

  1. اختر منصة إسلامية إذا قررت الدخول في عالم التداول.
  2. تحرى الدقة عند اختيار المنصة الإسلامية، حيث أن هناك العديد من مواقع التداول النصابة التي تدعي أنها منصات إسلامية.
  3. يجب أن يعمل لدى هذه المنصات مجموعة من العلماء والفقهاء، الذين يتحرون الضوابط الشرعية في كل صغيرة وكبيرة.
  4. إذا تعاملت مع منصات غير إسلامية يمكنك تجنب الحرام من خلال عدم الاستعانة بالرافعة المالية.
  5. لا تفتح الصفقة إلى اليوم التالي، حتى لا يفرض عليك رسوم التبييت، التي حرمها العلماء واعتبروها باباً من أبواب الربا.
  6. لا تتخذ أي قرار في البيع أو الشراء إلا إذا كان مبنياً على دراسة علمية، واحذر من الرهان والمقامرة وضربات الحظ.
  7. لا تعتمد على معلومات مسربة قبل البيع والشراء وإلا وقعت في المحذور.
  8. لا تدخل في أي صفقات تكون بنودها غير واضحة، ولا تتعامل بوضوح وشفافية.
  9. لا تبيع ما لا تملك، فهذا من بيع الغرر الذي حرمه الإسلام.
  10. لا تتداول أسهم شركات تعتمد على مصدر محرم في دخلها، حتى لو كان جزئاً بسيطاً من مصدرها حراماً يظل هناك حرمانية في الأمر.
  11. اعتمد على الصكوك الإسلامية في مشروعاتك بدلاً من السندات.
  12. ضع في اعتبارك المبادئ والقيم الإسلامية عند التداول وجميع المعاملات المالية.
  13. لا تخف من خوض التجربة، ولا تكنز الأموال.
  14. ابحث في فتاوى العلماء قبل خوض تجربة أي نوع من التداول، وضع في اعتبارك أن آراء العلماء اختلفت، لذا يمكنك اختيار الأنسب لك، وما يريح قلبك، أما ما قد أجمع عليه العلماء أنه حرام تجنبه تجنباً تماماً وإلا وقعت في الحرمانية.

المصادر:

https://binbaz.org.sa/categories/fiqhi/128?page=18

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/441481/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/257806/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D8%B1%D9%83%D8%B3-%D9%85%D8%B9-%D8%AA%D8%AC%D9%86%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D8%A9

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/122852/%D9%85%D9%86-%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%B1

 

شارك المقال لتعم الفائدة

مواضيع ذات علاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!