تلعب البنوك المركزية دورًا حيويًا في إدارة وتحسين النظام المالي وضبط المعروض النقدي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلاد، ويهدف تنظيم المعروض النقدي إلى التحكم في التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز النشاط الاقتصادي، ومن أجل تحقيق ذلك تعتمد البنوك المركزية على استراتيجيات متعددة مثل تغيير سياسات الفائدة وشراء الأصول وسياسات الإقراض من أجل التحكم في المعروض النقدي حيث أن هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي، ومع ذلك تتطلب مواجهة التحديات والمخاطر المحتملة مثل التأثيرات غير المتوقعة على الأسواق المالية الناتجة عن هذه القرارات.
جدول المحتويات
ما هي أهمية المعروض النقدي؟
تؤثر كمية النقود المتداولة في الاقتصاد على الاتجاهات الاقتصادية سواء على مستوى الاقتصاد الجزئي أو الاقتصاد الكلي، فعلى سبيل المثال بالنسبة للاقتصاد الجزئي يؤدي وجود كمية كبيرة من المعروض النقدي إلى سهولة الحصول على النقود من قبل الأفراد والشركات، فسوف يكون من السهل بالنسبة للأفراد الحصول على قروض شخصية أو قروض لشراء السيارات أو الرهون العقارية كما تجد الشركات أيضًا سهولة في الحصول على تمويل.
أما على المستوى الاقتصادي العام فإن كمية النقود المتداولة في الاقتصاد تؤثر على أمور مختلفة مثل الناتج المحلي الإجمالي والنمو العام وأسعار الفائدة ومعدلات البطالة، ولذلك تسعى البنوك المركزية عادة للسيطرة على كمية النقود المتداولة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والتأثير على السياسة النقدية.
طباعة النقود
منذ وقت طويل كانت الدول تربط عملاتها بمعيار ذهبي وهذا يعني أنه كان لا يمكن للدولة طباعة أو إنتاج الأموال بسهولة، ومع ذلك انتهت هذه الفترة في منتصف القرن العشرين من أجل توفير المزيد من المرونة في الأسواق، ومنذ ذلك الحين يمكن للبنوك المركزية زيادة كمية النقود المتداولة عن طريق طباعتها ببساطة، وفي الحقيقة يمكنهم طباعة النقود بقدر ما يريدون إلا أن هذا الأمر قد يكون له عواقب وخيمة على قوة الاقتصاد وسعر صرف العملة.
إن طباعة المزيد من النقود لا تؤثر على الإنتاج الاقتصادي أو مستويات الإنتاج في البلاد بشكل إيجابي، ولذلك تصبح النقود ذات قيمة أقل نظرًا لزيادة المعروض منها مما قد يتسبب في ارتفاع التضخم، ولذلك وعلى الرغم من كون طباعة النقود هي الخيار الأسهل للتحكم في المعروض النقدي إلا أنها ليست الخيار الأول للبنوك المركزية.
تحديد متطلبات الاحتياطي
أحد الأساليب الأساسية التي تستخدمها جميع البنوك المركزية حول العالم للتحكم في كمية النقود في الاقتصاد هو تغيير متطلبات الاحتياطي سواء بالزيادة أو النقصان، وكقاعدة عامة تفرض البنوك المركزية على المؤسسات المالية وتحديدًا البنوك التجارية ضرورة الاحتفاظ بمبلغ معين من الأموال كاحتياطي (الموجودة في خزائن أو في البنك المركزي) مقابل مبالغ الودائع في حسابات عملائها، وبالتالي يتم الاحتفاظ دائمًا بمبلغ معين من النقود وعدم تداوله في السوق.
على سبيل المثال إذا قام البنك المركزي بتحديد متطلبات الاحتياطي عند 9٪، فيجب على البنك التجاري الذي لديه إجمالي ودائع بقيمة 100 مليون دولار أن يخصص 9 مليون دولار لتحقيق متطلبات الاحتياطي، وبالتالي يمكنه توزيع الـ 91 مليون دولار المتبقية فقط في السوق.
ومن خلال هذه الطريقة يمكن للبنك المركزي التحكم في المعروض النقدي، فعندما يرغب البنك المركزي في ضخ المزيد من النقود في الاقتصاد فيمكنه خفض متطلبات الاحتياطي وهذا يعني أن البنك يمكنه منح المزيد من القروض للشركات والأفراد، أما إذا أراد تقليل كمية النقود في الاقتصاد فيمكنه زيادة متطلبات الاحتياطي وهذا يعني أن البنوك ستكون لديها أقل نقود لإقراضها وبالتالي ستكون أكثر تحفظًا في إصدار القروض.
تعديل أسعار الفائدة
في معظم الحالات لا يمكن للبنك المركزي تحديد أسعار الفائدة مباشرة للقروض مثل الرهون العقارية أو قروض السيارات أو القروض الشخصية، ومع ذلك يتوفر للبنك المركزي أدوات معينة لدفع أسعار الفائدة نحو المستويات المرغوبة، فعلى سبيل المثال يمتلك البنك المركزي سيطرة على مفتاح سياسة الفائدة، وهو السعر الذي يتمكن عنده البنوك التجارية من الاقتراض من البنك المركزي (في الولايات المتحدة يُطلق عليه سعر الخصم الفيدرالي).
إذا قام البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة فإن ذلك يسمح للبنوك بتوفير القروض لعملائها بأسعار أرخص نظرًا لانخفاض سعر الفائدة، ولذلك في هذه الحالة يزداد المعروض النقدي في السوق وعلى العكس من ذلك في حال ارتفاع أسعار الفائدة ينخفض الطلب على القروض وهو ما يؤدي بالتبعية إلى نقص المعروض النقدي.
في الحقيقية لا يوجد هناك شك في أن تنظيم المعروض النقدي في الاقتصاد يمثل عنصراً حيوياً في استقرار الاقتصاد ونموه، ومن خلال فهم دور البنوك المركزية والاستراتيجيات التي تعتمدها ندرك أن تحقيق التوازن في المعروض النقدي ليس مجرد مسألة تقنية بل يتطلب رؤية استراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى دعم النمو المستدام والاستقرار الاقتصادي للبلاد، ومن خلال التعاون المستمر وتنفيذ الاستراتيجيات المحكمة يمكن للبنوك المركزية تحقيق تأثير إيجابي دائم على الاقتصادات العالمية ورفاهية المجتمعات.