في عالم تداول العملات الأجنبية (الفوركس)، لا تتحرك الأسواق فقط بفعل الأخبار أو البيانات الاقتصادية، بل أيضاً نتيجة فروق أسعار الفائدة بين الدول. ومن هنا تبرز صفقات الكاري تريد (Carry Trade) كإحدى أهم وأقدم استراتيجيات التداول التي يعتمد عليها المستثمرون لتحقيق أرباح من هذه الفروق. ورغم ارتباطها تقليدياً بالاقتصادات المتقدمة، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحوّل هذه الاستراتيجية نحو عملات الأسواق الناشئة بحثاً عن عوائد أعلى لكنها تأتي أيضاً مع مستويات مخاطرة مرتفعة.
ما هي استراتيجية الكاري تريد (Carry Trade)؟
تعتمد الكاري تريد على مبدأ بسيط:
- الاقتراض بعملة منخفضة الفائدة واستخدام هذه الأموال لشراء عملة ذات فائدة مرتفعة.
- الهدف هو الاستفادة من فرق أسعار الفائدة (Interest Rate Differential) بين العملتين، إضافة إلى أي مكاسب محتملة من تغير سعر الصرف.
مثال توضيحي:
سعر الفائدة في اليابان = 0.5%
سعر الفائدة في البرازيل = 10%
يقوم المتداول باقتراض الين الياباني (عملة منخفضة الفائدة) وشراء الريال البرازيلي (عملة مرتفعة الفائدة)، محققاً ربحاً يقارب 9.5% طالما ظل سعر الصرف مستقراً.
لماذا تهم الأسواق الناشئة في الكاري تريد؟
شهدت عملات الأسواق الناشئة مثل الريال البرازيلي (BRL)، البيزو المكسيكي (MXN)، الراند الجنوب إفريقي (ZAR)، والليرة التركية (TRY) اهتماماً متزايداً من المتداولين العالميين، وذلك لأسباب عدة:
- فروق فائدة جذابة: بينما تبقى الفائدة منخفضة في الاقتصادات المتقدمة، تقدم الأسواق الناشئة عوائد مرتفعة للمستثمرين الباحثين عن الربح السريع.
- تحسن الأوضاع الاقتصادية: العديد من الدول الناشئة عززت احتياطاتها النقدية واتبعت سياسات نقدية أكثر استقراراً، مما زاد من ثقة المستثمرين في عملاتها.
- ارتباط العملات بالسلع: بعض العملات الناشئة ترتبط بأسعار السلع الأساسية كالنفط والنحاس والذهب، ما يجعلها تستفيد من ارتفاع أسعار هذه السلع.
- سياسات الفيدرالي الأمريكي: عندما يبطئ الاحتياطي الفيدرالي وتيرة رفع الفائدة، تقل جاذبية الدولار، فيتجه المستثمرون نحو العملات ذات العائد الأعلى في الأسواق الناشئة.
كيف يحقق المتداول الربح في الكاري تريد؟
الربح في الكاري تريد يأتي من عنصرين رئيسيين:
- فرق أسعار الفائدة: وهو الدخل المستمر الناتج عن الاقتراض بعملة منخفضة الفائدة والاستثمار بعملة مرتفعة الفائدة.
- تغير سعر الصرف: إذا ارتفعت قيمة العملة ذات الفائدة المرتفعة، يحقق المتداول مكاسب إضافية، أما إذا تراجعت، فقد يخسر جزءاً من أرباحه.
المخاطر المرتبطة بالكاري تريد في الأسواق الناشئة
رغم العوائد المغرية، إلا أن المخاطر مرتفعة، خصوصاً في بيئات مالية غير مستقرة:
- مخاطر سعر الصرف: أي انخفاض حاد في العملة ذات الفائدة المرتفعة قد يمحو الأرباح. مثال: انهيار الليرة التركية في 2018 تسبب بخسائر كبيرة لمتداولي الكاري تريد.
- تغير السياسات النقدية: قد تُغير البنوك المركزية أسعار الفائدة فجأة، مما يؤثر على ربحية الصفقات.
- خروج رؤوس الأموال (Capital Flight): في أوقات الأزمات، يهرب المستثمرون نحو الأصول الآمنة مثل الدولار والين، مما يؤدي إلى تراجع حاد في عملات الأسواق الناشئة.
- المخاطر الجيوسياسية: أي توتر سياسي أو أمني قد يدفع العملات المحلية للانخفاض حتى مع ارتفاع الفائدة.
أهم أزواج العملات في صفقات الكاري تريد بالأسواق الناشئة
| العملة منخفضة الفائدة | العملة مرتفعة الفائدة | الزوج الشائع | متوسط العائد السنوي التقريبي* |
|---|---|---|---|
| الين الياباني (JPY) | الريال البرازيلي (BRL) | BRL/JPY | 8–12% |
| الفرنك السويسري (CHF) | الراند الجنوب إفريقي (ZAR) | ZAR/CHF | 7–10% |
| الين الياباني (JPY) | البيزو المكسيكي (MXN) | MXN/JPY | 9–13% |
| اليورو (EUR) | الليرة التركية (TRY) | TRY/EUR | 10–15% |
العائد يتغير حسب استقرار العملة وظروف السوق.
اتجاهات الكاري تريد في عامي 2024–2025
وفق تقارير Bloomberg وJ.P. Morgan:
شهدت أمريكا اللاتينية طفرة في صفقات الكاري تريد عام 2024 بفضل ارتفاع الفائدة في البرازيل والمكسيك. مع تباطؤ التضخم في 2025، بدأت فروق الفائدة تتقلص، مما دفع بعض المستثمرين لتقليص مراكزهم. البيزو المكسيكي والريال البرازيلي كانا الأفضل أداءً، بينما واجهت الليرة التركية والراند الجنوب إفريقي تقلبات حادة.
لماذا تهم هذه الاستراتيجية المتداولين؟
- عوائد مرتفعة: تمنح صفقات الكاري تريد فرص ربح تفوق السندات أو الودائع البنكية، بشرط إدارة المخاطر.
- تنويع المحفظة: تساعد المستثمرين في تنويع محافظهم عبر العملات بدل الاقتصار على الأسهم أو السندات.
- مؤشر معنويات السوق: ازدهار الكاري تريد يعني تفاؤلاً في الأسواق (Risk-On)، بينما تراجعها يعكس تجنب المخاطر (Risk-Off).
- أداة تحوط ذكية: تُستخدم الكاري تريد أحياناً للتحوط من تغيرات أسعار الفائدة أو ضعف العملات الرئيسية.
كيفية إدارة المخاطر في صفقات الكاري تريد
- تحديد أوامر وقف الخسارة (Stop Loss): لتفادي الخسائر الناتجة عن انهيار العملات المفاجئ.
- متابعة بيانات الفائدة والتضخم: لأنها تحدد اتجاه العوائد المستقبلية.
- الابتعاد عن الرافعة المالية المفرطة: لأن أي تقلب بسيط قد يؤدي إلى خسائر مضاعفة.
- مراقبة مؤشر الخوف (VIX): إذ غالباً ما يؤدي ارتفاعه إلى خروج المستثمرين من صفقات الكاري تريد.
Carry Trade بين العائد والمخاطرة
تمثل صفقات الكاري تريد في عملات الأسواق الناشئة مزيجاً فريداً من الإغراء والمجازفة. فهي قادرة على تحقيق عوائد استثنائية في فترات الاستقرار، لكنها قد تتحول إلى مصدر خسائر حادّة عند أول موجة تقلب. ولهذا تُعد هذه الصفقات أداة مزدوجة للربح من فروق أسعار الفائدة، ولقياس مزاج المستثمرين العالميين تجاه المخاطر. في نهاية المطاف، تظل الكاري تريد مرآة لحالة السوق العالمية عندما يسود الهدوء، تزدهر. وعندما يهيمن الخوف، تنهار.
