أصبح واتساب خلال السنوات الأخيرة أداة رئيسية للتواصل بين الأفراد والشركات، لكن هذا التطبيق البسيط لم يسلم من استغلال العصابات الدولية التي طورت أساليبها للإيقاع بالضحايا، خصوصاً المتداولين العرب الباحثين عن فرص في أسواق الفوركس أو العملات الرقمية أو الأسهم. هذه العصابات تستغل جهل المبتدئين بطبيعة الأسواق، وتغريهم بعروض براقة وأرباح خيالية، ثم تسلب أموالهم بطريقة منظمة واحترافية. كثير من هذه الأسماء ظهرت لاحقاً في القائمة السوداء لشركات التداول النصابة التي تحذر منها الجهات المختصة
كيف تعمل هذه العصابات؟
العصابات لا تعمل بعشوائية، بل تنشط من خلال شبكات منظمة عبر عدة دول، وتستخدم واتساب كأداة سهلة للوصول المباشر إلى الضحايا. أساليب عملها غالباً تمر بمراحل محددة:
- مرحلة الاستدراج: يبدأ الأمر برسالة ودية من رقم مجهول، أحياناً عبر مجموعات عشوائية أو إعلانات وهمية على فيسبوك وتليجرام. الرسالة تكون مصممة لتثير الفضول: “هل تريد ربح 500 دولار أسبوعياً من التداول؟”.
- مرحلة بناء الثقة: يقدم المحتال نفسه كخبير مالي أو موظف في شركة تداول كبرى بعضهم يدّعي أنه محامي فوركس قادر على استرجاع الأموال لكنهم محامي فوركس نصاب، بينما هدفه فقط الاحتيال على الضحية مرة أخرى.. يتم إرسال صور لمكاتب فاخرة أو تراخيص مزيفة لإقناع الضحية.
- مرحلة الاستثمار الأولي: يتم طلب مبلغ صغير كبداية، مثل 100 أو 200 دولار، ويُظهرون أرباحاً مزيفة عبر تطبيقات أو مواقع تداول وهمية.
- مرحلة الابتزاز: بمجرد أن يطمئن الضحية ويستثمر أكثر، تبدأ العراقيل: لا يمكن سحب الأرباح إلا بعد دفع رسوم، أو يجب رفع قيمة الإيداع لتأكيد الحساب.
- مرحلة الاختفاء: في النهاية، يتم حظر الضحية أو إغلاق الحساب، ليكتشف أنه وقع ضحية عصابة منظمة.
أساليب النصب الأكثر شيوعاً عبر واتساب
العصابات تستغل طرق متعددة لإقناع المتداولين العرب، من أبرزها:
- انتحال الهوية: ادعاء أنهم ممثلون لشركات تداول مرخصة أو بنوك عالمية، بينما في الواقع أسماء هذه الشركات غالباً مذكورة ضمن تحذيرات الشركات النصابة المنتشرة على المواقع الرقابية
- مجموعات استثمار وهمية: إنشاء مجموعات كبيرة على واتساب تُظهر “متداولين ناجحين” يشاركون أرباحهم، بينما هم مجرد حسابات مزيفة.
- التطبيقات الوهمية: تزويد الضحية بروابط لمواقع أو تطبيقات تشبه منصات التداول الحقيقية لكنها مجرد واجهات مزيفة.
- المكالمات الصوتية والمرئية: بعض العصابات تستخدم مكالمات فيديو من مكاتب وهمية أو عبر ممثلين مدربين لزيادة المصداقية.
لماذا العرب هدف رئيسي لهذه العصابات؟
- اللغة: الكثير من العصابات توظف أشخاصاً يتحدثون العربية بطلاقة لإقناع الضحايا بسهولة.
- انتشار ثقافة الربح السريع: وجود فئة كبيرة تبحث عن طرق مختصرة لتحقيق دخل إضافي.
- ضعف الثقافة المالية: قلة المعرفة بآليات التراخيص الرسمية لشركات التداول.
- غياب الرقابة: صعوبة تعقب هذه العصابات دولياً يجعلها أكثر جرأة على استهداف المنطقة العربية.
تجارب واقعية من الضحايا
- م. ع (السعودية): تلقى دعوة عبر واتساب للانضمام إلى “شركة تداول مرخصة في لندن”. بعد إيداع 5000 دولار، فوجئ أن الحساب لا يسمح بالسحب إلا بعد إيداع إضافي بقيمة 2000 دولار. وعندما رفض، تم حظره نهائياً.
- خ.ف (مصر): دخل مجموعة واتساب تعرض “إشارات تداول مضمونة”. بعد عدة أيام من المكاسب الوهمية، خسر 3000 دولار في صفقات مزيفة.
- س. ن (الإمارات): تواصل معه “خبير مالي” عبر واتساب، وأرسل له صوراً مع مشاهير ماليين مزيفة بتقنية ديب فيك. أودع أكثر من 10 آلاف دولار، ولم يسترد شيئاً حتى الآن.
إشارات تكشف أن المجموعة أو الحساب نصاب
قبل أن تتورط، هناك علامات تحذيرية يجب الانتباه لها:
- الحساب يستخدم أرقام دولية غير مألوفة.
- الوعود الدائمة بأرباح ثابتة وسريعة.
- عدم وجود أي وسيلة تواصل رسمية خارج واتساب.
- كثرة الضغط النفسي: “الفرصة محدودة – يجب أن تستثمر الآن”.
- إرسال روابط لمنصات غير معروفة أو بدون سجل قانوني.
التأثير النفسي والمالي على الضحايا
لا يتوقف أثر هذه العصابات عند خسارة المال فقط، بل يمتد إلى:
- الإحباط النفسي: شعور الضحية بالذنب والندم لأنه وقع في الفخ.
- الخوف من التجربة مجدداً: كثير من الضحايا يتوقفون عن أي محاولة للاستثمار لاحقاً.
- تفاقم الخسائر: بعض الضحايا يستدينون أو يبيعون ممتلكاتهم طمعاً في استرجاع الأموال، فيزداد وضعهم سوءاً.
كيف تحمي نفسك من عصابات واتساب؟
- تجاهل الرسائل العشوائية: لا تثق في أي عرض استثماري يأتيك من رقم مجهول.
- تحقق من التراخيص: أي شركة حقيقية يمكن التأكد من ترخيصها عبر الهيئات التنظيمية المعروفة.
- لا ترسل أموالاً لحسابات شخصية: التحويل يجب أن يتم فقط عبر أنظمة دفع رسمية باسم الشركة.
- تعلم أساسيات التداول: المعرفة هي أقوى وسيلة لحماية نفسك من الاستغلال.
- “الإبلاغ عن الأرقام: إذا تعرضت لمحاولة نصب، أبلغ السلطات المختصة أو شركات الاتصالات لحظر الرقم، وابحث في القائمة السوداء لمواقع المحامين النصابين حتى لا تقع في فخ عصابات تدّعي تقديم المساعدة القانونية
خاتمة
العصابات الدولية التي تستخدم واتساب للإيقاع بالمتداولين العرب ليست مجرد عمليات فردية، بل شبكات محترفة تُدار عبر دول مختلفة، وتستغل الطمع والجهل لتحقيق أرباح ضخمة من ضحايا أبرياء. “الوعي والتثقيف المالي هما السلاح الأقوى لمواجهة هذه الظاهرة. متابعة تحذيرات الشركات النصابة والاطلاع على القائمة السوداء لشركات التداول النصابة يساعد المستثمرين على تجنب الوقوع في نفس الفخاخ