يعتبر تعويم أسعار الصرف من الأنظمة الهامة التي ساعدت الدول الصناعية على تحقيق الاستقرار الاقتصادي ومواجهة العجز التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية إليها وذلك بسبب المرونة والشفافية التي يوفرها هذا النظام والسيطرة على محاولة بعض الدول التلاعب بأسعار عملاتها.
سنشرح في المقال التالي أهمية تعويم العملات وما هي الدوافع وراء خلق هذا النظام.
جدول المحتويات
ما معنى تعويم أسعار الصرف ( تعويم العملة )؟
هو نظام مالي يتم فيه تحديد سعر صرف العملة المحلية بحسب قوة العرض والطلب في سوق الصرف الأجنبي ( الفوركس ) دون تدخل للحكومات او البنوك المركزية لتثبيت العملة عند قيمة معينة، وتتغير قيمة العملة صعوداً وهبوطاً بسبب العوامل الاقتصادية والسياسية والأحداث العالمية وقد تتغير في اليوم الواحد عدة مرات.
ما هي أشكال التعويم؟
هناك نوعان من التعويم وهما:
- التعويم الحر ( Free Float )
ويتم في هذه الحالة تحديد سعر الصرف بناءً على قوى السوق أي قوة العرض والطلب دون تدخل الحكومات والبنوك المركزية. ونشاهد هذا النوع من التعويم في بعض البلدان الرأسمالية والصناعية المتقدمة مثل: الدولار الأمريكي، الجنيه الإسترليني والفرنك السويسري.
- التعويم المدار ( Managed Float )
وهو ترك سعر الصرف يتغير بحسب قوة العرض والطلب مع تدخل المصرف المركزي عند الحاجة إلى تعديل السعر مقابل بقية العملات ويكون ذلك التدخل عائداً لعدة أسباب منها وجود فجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف. وهذا الشكل من التعويم نجده في بعض البلدان الرأسمالية والبلدان النامية التي يرتبط سعر صرف العملة لديها بالدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك السويسري.
ما هو تاريخ تعويم العملات؟
كان نظام النقد الدولي سابقاً مبنياً على اتفاقية بريتون وودز والتي تنص على تثبيت أسعار جميع العملات المرتبطة بالدولار الأمريكي، ولكن لم تستطع هذه الاتفاقية ضبط تقلبات أسعار العملات للدول المشاركة فيها، لذلك كان هناك حاجة لإيجاد حل بديل وكان هذا الحل هو تعويم العملة.
تم توقيع اتفاقية سميثسونيان عام 1971 لوضع بنود لنظام تعويم العملات حيث سمحت الاتفاقية أن يتم تعديل أسعار صرف العملات بنسبة لا تزيد عن 2.25 % ولكن لم تستمر هذه الاتفاقية طويلاً وانهارت بعد العديد من المشكلات.
في عام 1973 لجأت الدول الصناعية الكبرى ومن ضمنها اليابان إلى تعويم عملتها بناءً على قوى السوق ولاقى هذا النظام نجاحاً كبيراً في دعم الاقتصاد الوطني.
في عام 1976 تم توقيع اتفاقية صندوق النقد الدولي واعتماد تعويم العملة كنظام لإصلاح صندوق النقد الدولي وتحقيق النمو الاقتصادي وحل المشكلات المتعلقة بالأزمات الاقتصادية.
ما أسباب تعويم أسعار الصرف؟
هناك مجموعة من الأسباب التي دفعت الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية إلى سياسة تعويم العملة وأبرزها ما يلي:
- ازدياد المنافسة والمصالح المتضاربة بين الدول الصناعية الكبرى.
- مواجهة العجز التجاري وتصحيح الخلل في ميزان المدفوعات.
- السيطرة على معدلات التضخم ومواجهة الأوضاع المالية والاقتصادية غير المستقرة للدول للوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي والداخلي.
- منع استنزاف الاحتياطات الأجنبية حيث تلجأ الدول إلى تعويم العملات عند انخفاض الاحتياطات لديها.
- التغيرات في الاقتصادي العالمي مثل رفع أسعار الفائدة وزيادة تقلبات أسعار صرف العملات.
- تعويم العملة يمنع بعض الدول من التلاعب بأسعار صرف عملتها.
- تعويم العملة يساعد على كسب ثقة المستثمرين وجذب الاستثمارات الأجنبية بسبب زيادة المرونة والشفافية.
كيف يتم تحديد أسعار الصرف؟
يتم تحديد أسعار صرف العملات باستخدام طريقتين: إما سعر صرف مرن أو سعر صرف ثابت تحدده السلطات.
سعر الصرف المرن
وهنا يتم تحديد أسعار العملات وفق سعر صرف العملات الأجنبية ( الفوركس )، ويتأثر سعر الصرف المرن بقوى السوق أي قوة العرض والطلب على العملات وبالتالي يتغير سعر هذه العملات باستمرار.
فعند ازدياد الطلب على عملة معينة تزداد قيمة هذه العملة وعند انخفاض الطلب عليها تنخفض قيمتها في سوق الصرف الأجنبي.
في هذا النوع من التسعير لا تتدخل الحكومات ولا البنوك المركزية لتحديد سعر صرف ثابت للعملة.
سعر صرف ثابت
تقوم البنوك المركزية والحكومات بتحديد أسعار الصرف مقابل العملات الرئيسية ومنها الدولار، اليورو، الين الياباني.
وتقوم الدول التي تعتمد على أسعار صرف ثابتة بشراء عملتها وتبيعها مقابل العملة الأجنبية المرتبطة بها وذلك لتنظيم سعر الصرف ومن هذه الدول الصين والسعودية.
وتضمن هذه الطريقة للدول أن البنوك المركزية لديها مبالغ كافية احتياطية من العملات الأجنبية مما يتيح تحديد سعر عملتها في سوق العملات الأجنبية.
ما هي فوائد تعويم العملة؟
يوفر تعويم العملة العديد من الفوائد وأبرزها ما يلي:
- عدم الحاجة إلى الاحتفاظ باحتياطات كبيرة من العملات الأجنبية حيث إن الدول التي تحدد سعر صرف ثابت لعملتها تحتاج إلى أن يكون لديها احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية في بنوكها وذلك للحفاظ على قوة عملتها ومواجهة التحديات التي تؤثر على العملة وتسبب انخفاض قيمتها.
- إن تعويم العملة يساعد على تغيير سعر صرف العملة المحلية وبالتالي تحسن الوضع الاقتصادي للدول والقدرة على إدارة أنظمتها الاقتصادية بنفسها أما الدول التي تثبت أسعار الصرف تعاني من عجز في ميزان المدفوعات وضعف في الأنشطة الاقتصادية والصناعية بسبب اتباع سياسات توفيرية تقشفية.
- تعويم العملة يساعد الدولة على خفض سعر عملتها مقابل العملات الأخرى بهدف زيادة الطلب على الصادرات لأن خفض سعر العملة يخفض تكاليف الصادرات وبالتالي يزداد الطلب عليها وهذا بدوره يمنع العجز الحاصل في ميزان المدفوعات، وفي حال كان هناك زيادة كبيرة في الصادرات يتم رفع سعر صرف العملة.
ما هي مخاطر تعويم أسعار الصرف؟
ينطوي تعويم العملات على بعض المخاطر وأبرزها ما يلي:
- تقلبات أسعار الصرف باعتبار أن سعر صرف العملات يتعلق بقوة العرض والطلب في السوق. فمن الممكن حدوث انهيار مفاجئ في سعر صرف العملة وذلك لأن سوق البورصات العالمية متقلب جداً ويتأثر بالعديد من العوامل الخارجية.
- إن عمليات المضاربة وبيع وشراء العملات يومياً في سوق تداول العملات العالمية يؤدي إلى زيادة تقلبات أسعار العملات ويؤثر بشكل كبير على سعر الصرف.
- قد يؤدي تعويم العملة إلى ارتفاع سعر الصرف لعملة إحدى الدول بشكل كبير مقابل عملة دولة أخرى تقوم بتصدير البضائع لها مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الاستيراد على الدولة الأخرى وهذا يؤدي إلى تقليص الصادرات وتقييد النمو الاقتصادي والتأثير سلباً على ميزان المدفوعات.
ما هو تأثير تعويم العملات على سوق الفوركس؟
إن التعويم يؤدي إلى زيادة التقلبات في أسعار العملات بسبب التغييرات المستمرة في العرض والطلب، ويعود ذلك إلى تأثر هذا النظام بالعوامل السياسية والاقتصادية والأحداث العالمية بشكل كبير.
إن التقلبات الكبيرة للأسعار تعتبر جذابة للمضاربين في سوق الفوركس للاستفادة من التحركات القصيرة للعملات.
نظراً لتأثر هذا السوق بالعوامل الاقتصادية بشكل كبير يأتي هنا دور التحليل الأساسي لفهم وتحليل السوق ودراسة المؤشرات الاقتصادية كالتضخم والناتج المحلي الإجمالي وغيرها لتوقع تحركات الأسعار والوصول إلى قرارات مالية سليمة.
أما التحليل الفني يعتبر هاماً عند المضاربة على تحركات الأسعار قصيرة الأمد فيتم الاستفادة من الرسوم البيانية والمؤشرات الفنية لمعرفة اتجاه الأسعار خلال فترة زمنية محددة.
ويمكن للبنوك المركزية التدخل في سوق الفوركس لتنظيم وضبط الأسعار بشكل مباشر عن طريق شراء و بيع العملات أو بشكل غير مباشر عن طريق تعديل أسعار الفائدة.
ختاماً
بعد عدة اتفاقيات وسياسات اتبعتها الدول على مر السنين لتخفيف تقلبات الأسعار وتأثيرها على الاقتصاد العالمي كان نظام تعويم أسعار الصرف الحل الأنسب لحل المشكلات الاقتصادية وتخفيف تكاليف الصادرات والمستوردات بالإضافة إلى خلق بيئة استثمارية جذابة في الدول التي تعوم عملاتها.