لم يعد الاحتيال المالي يقتصر على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، بل تطور ليجد لنفسه مكاناً في أكبر منصة للفيديوهات في العالم: يوتيوب. مع تزايد شعبية الاستثمار والتداول في العملات الأجنبية والعملات الرقمية، ظهر نوع جديد من النصابين يستغلون قنوات يوتيوب لبث محتوى يبدو احترافياً للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة مجرد وسيلة للإيقاع بالمتابعين. هؤلاء النصابون يعرضون شارتات (رسوم بيانية) تبدو حقيقية، ويُظهرون أرباحاً ضخمة لإقناع المشاهدين بالانضمام إلى منصات تداول وهمية أو الاشتراك في إشارات مدفوعة. وفي كثير من الحالات تكون هذه الكيانات مدرجة أصلاً ضمن القائمة السوداء لشركات التداول النصابة.
لماذا ينجح الاحتيال عبر يوتيوب؟
منصة يوتيوب تمنح النصابين بيئة مثالية لعدة أسباب:
- المصداقية البصرية: الفيديو يعطي انطباعاً بالواقعية أكثر من النص أو الصورة.
- الجمهور الضخم: ملايين المهتمين بالتداول يتجهون إلى يوتيوب للتعلم والبحث عن نصائح.
- سهولة التلاعب: يمكن تزوير الشارتات والنتائج بأدوات بسيطة مثل برامج تعديل الصور والفيديو.
- خوارزميات يوتيوب: المحتوى الذي يجذب تفاعلاً أكبر يتم اقتراحه لمزيد من المشاهدين، مما يساعد النصابين على الانتشار.
كيف يعرضون الأرباح الوهمية؟
النصاب لا يظهر بوضوح على أنه محتال، بل يتقن دور الخبير:
- شارتات مزيفة: يستخدمون برامج توليد الرسوم البيانية ليعرضوا نتائج تبدو كأنها مأخوذة من منصات تداول حقيقية.
- لقطات شاشة مُفبركة: يظهرون أرباحاً بمبالغ خيالية في وقت قصير، مثل “ربحت 10,000$ خلال 24 ساعة”.
- بث مباشر وهمي: يبثون فيديوهات يدّعون فيها أنهم يتداولون في الوقت الحقيقي بينما هي تسجيلات معدّة مسبقاً.
- شهادات وهمية: يضيفون تعليقات أو فيديوهات قصيرة لأشخاص يزعمون أنهم حققوا أرباحاً بعد اتباع نصائح القناة.
أساليب النصب المستخدمة عبر قنوات يوتيوب
- الترويج لشركات تداول مزيفة: يضعون روابط في وصف الفيديو لمواقع غير مرخصة. هذه المواقع عادة ما تكون مواقع تداول وهمية يصعب تتبعها أو استرجاع الأموال منها.
- بيع “كورسات” احتيالية: يطلبون مئات الدولارات مقابل “تعلم أسرار التداول” التي تكون مجرد معلومات سطحية أو مكررة.
- إشارات مدفوعة عبر تليجرام: يوجهون المشاهدين للاشتراك في مجموعات مدفوعة توفر “إشارات مضمونة”.
- الانتحال: بعضهم يستخدم أسماء وصور قنوات مشهورة لإيهام المشاهدين بأنه القناة الأصلية.
تجارب واقعية لضحايا هذه القنوات
- ع. خ (مصر): اشترك في قناة تقدم إشارات تداول عبر يوتيوب، وبعد أن دفع 1000 دولار، اكتشف أن الشركة التي سجّل بها غير موجودة على أرض الواقع.
- ر. ع (السعودية): شاهد بثاً مباشراً فيه أرباح يومية خيالية، وبعد التسجيل عبر الرابط خسر 5000 دولار خلال أسابيع. مثل هذه الحالات متكررة، وغالباً ما يُحذر منها في تقارير رسمية ضمن تحذيرات شركات التداول النصابة.
- م. س (المغرب): اشترى كورس من يوتيوب مقابل 700 دولار، ليتفاجأ أن المحتوى مجاني متوفر على الإنترنت.
كيف تكتشف أن القناة نصابة؟
هناك علامات واضحة تكشف أن القناة ليست صادقة:
- وعود بأرباح ضخمة في وقت قصير.
- التركيز على استعراض النتائج بدل شرح استراتيجيات التداول.
- روابط خارجية مجهولة أو غير مرتبطة بجهات مرخصة.
- تعليقات متشابهة بشكل مريب من حسابات وهمية.
- قنوات حديثة بلا تاريخ أو مصداقية سابقة.
ولا تنسَ أن أي قناة تدفعك للتعامل مع كيان غير مرخص قد تكون مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بـ شركات التداول النصابة.
التأثير النفسي والمالي على الضحايا
الاحتيال عبر يوتيوب لا يسرق المال فقط، بل يترك آثاراً نفسية كبيرة:
- إحباط وخيبة أمل: بعد أن يكتشف الضحية أن كل ما شاهده كان خداعاً.
- فقدان الثقة: يصبح من الصعب عليه الوثوق بأي مصدر تعليمي لاحقاً.
- خسائر مضاعفة: بعض الضحايا يستمرون بضخ أموال إضافية أملاً في تعويض خسائرهم.
الأسوأ أن بعضهم يتورط مرة أخرى مع عصابات استرجاع الأموال الوهمية، وهي كيانات مشهورة ومذكورة في القائمة السوداء لشركات التداول النصابة.
كيف تحمي نفسك من هذه القنوات؟
- لا تثق في الأرباح الخيالية: أي وعود بمضاعفة الأموال بسرعة هي إشارة نصب واضحة.
- تحقق من الترخيص: إذا روجت القناة لشركة تداول، ابحث عن تراخيصها من الهيئات الرقابية المعروفة. في حال وجود شكوك، استشر مختصاً موثوقاً، ولا تقع في فخ أي محامي فوركس نصاب يعرض عليك حلولاً سريعة لاسترجاع الأموال.
- اقرأ التعليقات بحذر: كثير منها يكون مزيفاً للتأثير النفسي.
- ابحث عن تاريخ القناة: القنوات الجديدة التي تدعي أنها “خبيرة” في السوق مشبوهة غالباً.
- اعتمد مصادر موثوقة للتعلم: هناك مواقع رسمية ومعاهد معتمدة لتعلم التداول بدلاً من الاعتماد على قنوات مجهولة.
خاتمة
الانتشار الواسع لقنوات يوتيوب جعلها أداة سهلة بيد النصابين الذين يستغلون الفيديوهات لعرض شارتات وأرباح وهمية مضللة. الضحية يرى بعينيه أرباحاً مزيفة فيصدقها دون تحقق، ثم يجد نفسه في فخ يصعب الخروج منه. الوعي هو الحل؛ فلا تدع بريق الفيديوهات يخدعك، ولا تثق بأي محتوى يعدك بالثراء السريع. التداول الحقيقي يحتاج معرفة وصبراً ومنصات مرخصة فقط، أما ما عدا ذلك فغالباً مجرد وهم معد للإيقاع بك.
