في ظل التطور الكبير في أسواق المال وازدياد فرص التداول حول العالم، ظهر أمام المتداولين نوعان رئيسيان من الحسابات: الحسابات الحقيقية التي يُمولها المتداول من أمواله الخاصة، والحسابات الممولة التي تُمنح من شركات تمويل متخصصة مقابل إثبات مهارة معينة في التداول. هذان الخياران يبدوان مغريين بطريقتهما، لكن كل واحد منهما يخدم أهدافاً مختلفة ويعتمد على وضع المتداول نفسه من حيث رأس المال، الخبرة، ومستوى تقبل المخاطر.
ما هو الحساب الممول؟
الحساب الممول هو نوع من حسابات التداول يُمنح للمتداولين من قبل شركات متخصصة في تقييم الأداء، تُعرف غالباً بشركات التمويل أو شركات الحسابات الممولة. تقوم هذه الشركات بطرح اختبارات تقييم حقيقية تحاكي بيئة السوق، ويُطلب من المتداول تحقيق أرباح ضمن شروط محددة، مثل عدم تجاوز حد معين من الخسارة اليومية أو الإجمالية.
إذا اجتاز المتداول هذا التقييم بنجاح، يحصل على حساب تداول حقيقي ممول من الشركة، وغالباً ما يكون حجمه أكبر بكثير من رأس المال الذي يملكه المتداول فعلياً. في المقابل، تحتفظ الشركة بجزء من الأرباح، بينما يحصل المتداول على نسبة قد تتراوح بين 50% إلى 90% من الربح، بحسب سياسة الشركة.
ما هو الحساب الحقيقي؟
الحساب الحقيقي التقليدي هو الحساب الذي يقوم المتداول بتمويله بنفسه من أمواله الشخصية، سواء من مدخراته أو من جزء مخصص للاستثمار. هذا النوع من الحسابات يمنح المتداول حرية كاملة في اتخاذ القرارات، دون تدخل من طرف ثالث، ودون قيود على استراتيجيات التداول أو أوقات الدخول والخروج.
في الحساب الحقيقي، المتداول هو من يتحمل الربح والخسارة بشكل مباشر. إذا كانت الصفقة ناجحة، فإنه يحتفظ بكامل الأرباح، وإذا خسر، فإن الخسارة تقع على ماله الخاص. وبالتالي، فإن هذا النوع من الحسابات يتطلب مستوىً عالياً من المسؤولية، والقدرة على تحمل الضغط النفسي الناتج عن المخاطرة المباشرة.
مقارنة تفصيلية بين الحساب الممول والحساب الحقيقي
عند المقارنة بين النوعين، يظهر بوضوح أن لكل منهما مميزاته وتحدياته الخاصة. نستعرض في الجدول التالي مقارنة شاملة توضح الجوانب الرئيسية للفروق بينهما:
| المعيار | الحساب الممول | الحساب الحقيقي |
|---|---|---|
| رأس المال | يُقدم من الشركة بعد اجتياز اختبار | يمول من مالك الشخصي |
| المخاطرة الشخصية | منخفضة أو غير موجودة | عالية وتتحملها بالكامل |
| التحكم والمرونة | محدودة بسبب الشروط والقواعد | كاملة – تتحكم في كل شيء |
| تقسيم الأرباح | يتم تقاسمها مع الشركة | تحتفظ بكامل الأرباح |
| شروط التداول | تشمل حدود خسارة، عدد صفقات، زمن تداول | لا توجد شروط خارجية |
| التحفيز والضغط النفسي | ضغط لتحقيق هدف محدد | ضغط بسبب إمكانية خسارة المال الشخصي |
| التكلفة المبدئية | رسوم تقييم أو اشتراك شهري | رأس المال بالكامل |
مميزات الحسابات الممولة
يمنح الحساب الممول فرصة حقيقية للمتداول الذي يمتلك المهارة ولكن لا يمتلك رأس المال الكافي. يعتبر وسيلة ذكية لبدء التداول في بيئة حقيقية، مع تقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن. من أبرز المزايا:
- الوصول لرأس مال كبير: يمكنك التداول بمبالغ قد تصل إلى 100,000 دولار أو أكثر، دون الحاجة إلى استثمار أي مبلغ من جيبك الشخصي.
- حماية من الخسائر المالية: في معظم الأحيان، إذا خالفت القواعد أو خسرت المال، فإن أسوأ ما يحدث هو فقدان الحساب، دون أن تؤثر الخسارة على مالك الشخصي.
- فرصة للتدرب تحت الضغط: التقييم يشبه بيئة السوق الحقيقية، ما يجبرك على تطوير مهاراتك والانضباط.
- إمكانية بناء مسار مهني: الكثير من المتداولين الذين نجحوا في الحسابات الممولة أصبحوا فيما بعد مديري محافظ أو محللين ماليين محترفين.
عيوب الحسابات الممولة
رغم مزاياها الواضحة، إلا أن الحسابات الممولة ليست مناسبة للجميع، وتحتوي على بعض القيود التي يجب أخذها بجدية:
- قواعد صارمة للغاية: بعض الشركات تطبق شروطاً دقيقة مثل الحد الأقصى للخسارة اليومية، عدد صفقات معين، أو حتى أوقات محددة للتداول.
- انعدام المرونة: لا يمكنك تجربة استراتيجيات جديدة بحرية كاملة، لأن أي خرق للقواعد يؤدي إلى فقدان الحساب.
- الضغط النفسي المرتبط بالتقييم: حتى لو كنت متداولاً جيداً، فإن فكرة التقييم قد تُشعرك بالتوتر الزائد.
- الرسوم المتكررة: في حال فشلت في التقييم، قد تحتاج إلى دفع رسوم جديدة لإعادة المحاولة.
مميزات الحسابات الحقيقية
الحساب الحقيقي يمنح المتداول سيطرة تامة على كل ما يجري داخل الحساب. لا يوجد طرف ثالث يتحكم، ولا توجد قيود على الطريقة أو الوقت أو نسبة المخاطرة. من أبرز ما يميز هذا النوع:
- حرية مطلقة في التداول: يمكنك استخدام أي استراتيجية، دخول السوق متى شئت، وتعديل المخاطرة كما تراه مناسباً.
- ملكية كاملة للأرباح: لا أحد يشاركك في الأرباح التي تحققها، فهي ملكك بالكامل.
- مسار تدريجي طبيعي: يمكنك البدء بمبلغ صغير، واختبار السوق ببطء، ثم التوسع حسب النتائج.
- تجربة نفسية واقعية: التعامل مع مالك الحقيقي يمنحك خبرة نفسية قوية، تجعلك تفهم ذاتك تحت الضغط المالي الحقيقي.
عيوب الحسابات الحقيقية
ومع ذلك، فإن الحسابات الحقيقية ليست سهلة، ولا تناسب كل المتداولين، خاصة من هم في بداية الطريق. ومن أبرز تحدياتها:
- مخاطر مالية حقيقية: أي قرار خاطئ يمكن أن يؤدي إلى خسارة فعلية من مالك الخاص.
- التأثر العاطفي: التداول بالمال الشخصي قد يولد خوفاً أو طمعاً يؤثر سلباً على قراراتك.
- صعوبة تعويض الخسائر: إذا لم يكن لديك رأس مال كبير، فإن تعويض الخسائر قد يكون صعباً.
- انعدام الرقابة أو التوجيه: أنت وحدك المسؤول عن كل شيء، ما يتطلب نضجاً وتحكماً عاطفياً عالياً.
كيف تختار بينهما؟
الاختيار بين الحساب الممول والحساب الحقيقي لا يجب أن يكون عشوائياً. بل يعتمد على حالتك كمستثمر أو متداول:
اختر الحساب الممول إذا كنت:
- لا تمتلك رأس مال كافٍ لبدء التداول الجاد.
- تثق في مهاراتك ولكن تحتاج فرصة لإثباتها.
- تسعى للتقليل من المخاطر قدر الإمكان.
- تتحلى بالانضباط ويمكنك العمل ضمن شروط محددة.
اختر الحساب الحقيقي إذا كنت:
- تمتلك رأس المال ومستعد لتحمل الخسارة.
- ترغب بحرية كاملة في التداول.
- لا تمانع التجريب والخطأ كجزء من التعلم.
- لديك خطة واضحة وتعرف كيف تدير محفظتك دون ضغط خارجي.
خاتمة
لا يمكن القول بأن الحساب الممول أفضل من الحساب الحقيقي أو العكس، فكل منهما يمثل مدرسة مختلفة في التداول، ويصلح في ظرف مختلف. المتداول الذكي هو من يعرف في أي مرحلة هو الآن، وما الذي يناسبه في الوقت الحالي. قد يكون الحساب الممول هو الطريق المناسب لبدء المسيرة، بينما يصبح الحساب الحقيقي هو الخيار الأفضل عندما تتوفر الخبرة والجاهزية النفسية والمالية. بل ويمكن الجمع بين النوعين لاحقاً لتوسيع الخبرة وزيادة مصادر الربح. في النهاية، اختيار الحساب المناسب هو خطوة أساسية في بناء مستقبلك المهني كمتداول ناجح، فاختر بوعي، وتداول بثقة.
