في عالم الاستثمار، لا يوجد مقياس أوضح لنجاح الأسواق من تتبّع أداء المؤشرات المالية على مدى زمني طويل. فالمؤشرات تمثل خلاصة حركة مجموعة كبيرة من الأسهم المدرجة في البورصات، وتعكس بدقة اتجاه السوق العام، سواء كان صاعداً أو هابطاً. ومع تزايد الإقبال على الاستثمار السلبي (Passive Investing) عبر المؤشرات وصناديقها، بات من الضروري فهم أيّ هذه المؤشرات قدّم أفضل العوائد خلال السنوات العشر الماضية.
الهدف من هذا المقال هو تقديم تحليل شامل واحترافي لأداء المؤشرات العالمية والأمريكية خلال العقد الماضي، مع تسليط الضوء على الأسباب التي دفعت بعضها إلى التفوق، وتأثير الأوضاع الاقتصادية والتكنولوجية على نتائجها.
جدول المحتويات
- 1 لماذا ننظر إلى أداء المؤشرات خلال فترة طويلة؟
- 2 مؤشر ناسداك 100: نجم العقد بلا منازع
- 3 مؤشر S&P 500: تنويع مستقر ونمو متوازن
- 4 مؤشر داو جونز الصناعي: خيار المستثمر المحافظ
- 5 مؤشر MSCI للأسواق الناشئة: أداء متذبذب
- 6 مؤشرات الأسواق الناشئة: أداء متواضع رغم الفرص
- 7 عوامل ساهمت في تفوق بعض المؤشرات على غيرها
- 8 أي المؤشرات تناسب المستثمر على المدى الطويل؟
- 9 خاتمة
لماذا ننظر إلى أداء المؤشرات خلال فترة طويلة؟
عند تقييم جدوى الاستثمار في أي مؤشر، فإن النظر إلى أدائه على مدى سنة أو سنتين فقط لا يعكس الحقيقة الكاملة. فالسوق يمرّ بدورات اقتصادية متعددة تتأثر بعوامل مثل التضخم، السياسة النقدية، الحروب، الكوارث، والتطورات التكنولوجية. ولهذا السبب، فإن مراقبة أداء المؤشرات خلال فترة 10 سنوات تُعد أكثر موضوعية.
العوائد طويلة الأجل تُظهر قدرة المؤشر على تجاوز الأزمات والتقلّبات، وتساعد المستثمرين في تحديد الأصول التي تستحق الثقة، وتكشف أيضاً عن المؤشرات التي توفر استقراراً ونمواً متوازناً على مدى زمني مطوّل.
مؤشر ناسداك 100: نجم العقد بلا منازع
يُعتبر مؤشر ناسداك 100 (Nasdaq 100) واحداً من أبرز المؤشرات الأمريكية، ويضم 100 من أكبر الشركات غير المالية المدرجة في بورصة ناسداك، مع تركيز واضح على قطاع التكنولوجيا.
خلال السنوات العشر الماضية، سجّل هذا المؤشر أداءً مذهلاً، مستفيداً من الطفرة الكبيرة في شركات التكنولوجيا والابتكار. شركات مثل Apple، Microsoft، Amazon، Nvidia، Meta، وTesla كانت القاطرة التي دفعت المؤشر إلى مستويات غير مسبوقة.
في الفترة ما بين 2014 و2024، استطاع المؤشر أن يتضاعف عدة مرات، حيث سجل متوسط عائد سنوي مركب تجاوز 15%، وهو معدل يتفوق بكثير على معظم الأدوات الاستثمارية التقليدية. ويرجع ذلك إلى النمو السريع في أعمال هذه الشركات، وازدياد الطلب العالمي على الخدمات الرقمية، ومنتجات التكنولوجيا، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي.
ورغم التراجعات المؤقتة التي شهدها المؤشر خلال أزمة كوفيد-19 أو فترة تشديد السياسات النقدية الأمريكية، إلا أنه أثبت مرونة عالية وسرعة في التعافي، مما يجعله خيارًا قويًا للمستثمرين ذوي التوجهات طويلة الأجل.
متوسط العائد السنوي:
حوالي 15% إلى 17% سنوياً خلال العقد الأخير.
مؤشر S&P 500: تنويع مستقر ونمو متوازن
من بين المؤشرات التي تحظى بثقة واسعة في أوساط المستثمرين العالميين، يبرز مؤشر S&P 500 كأداة استثمارية متزنة تضم 500 من أكبر الشركات الأمريكية المدرجة. يتسم هذا المؤشر بتنوعه الكبير، حيث يغطي مختلف القطاعات مثل التكنولوجيا، الصناعة، الرعاية الصحية، التمويل، الطاقة، والسلع الاستهلاكية.
على مدى السنوات العشر الماضية، استطاع S&P 500 أن يحقق أداءً ثابتاً وقوياً، حيث تراوح متوسط العائد السنوي بين 9% و11%. ورغم أنه لم يسجل طفرات ضخمة مثل ناسداك، إلا أن قوته تكمن في التوازن والتنويع، ما يجعله أقل عرضة للتقلبات الحادة.
خلال الأزمات الاقتصادية الكبرى، مثل تفشي كورونا في 2020 أو ارتفاع أسعار الفائدة في 2022-2023، أظهر المؤشر قدرة على الحفاظ على استقراره والعودة إلى مسار النمو بسرعة نسبية. ولذلك، يعتبره كثيرون من الخبراء الخيار الأمثل للمستثمرين الذين يبحثون عن مزيج من النمو والأمان.
متوسط العائد السنوي:
9% إلى 11% سنوياً على مدى السنوات العشر الماضية.
مؤشر داو جونز الصناعي: خيار المستثمر المحافظ
مؤشر داو جونز الصناعي (Dow Jones Industrial Average) هو أحد أقدم المؤشرات في العالم، ويضم 30 شركة كبرى تمثل القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الأمريكي. يركز هذا المؤشر على الشركات التقليدية والعملاقة، مثل Coca-Cola، Boeing، Johnson & Johnson، Goldman Sachs وغيرها.
رغم أن داو جونز لم يحقق النمو الهائل الذي سجله ناسداك، إلا أنه قدّم أداءً مستقراً ومعقولاً خلال السنوات العشر الأخيرة، بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 7% و9%.
الميزة الأبرز في داو جونز هي أنه يتحرك بوتيرة أكثر تحفظاً، مما يجعله مناسباً للمستثمرين الذين يفضلون الابتعاد عن التقلبات المرتفعة والتركيز على الشركات المستقرة التي توزّع أرباحاً بشكل منتظم.
أداؤه الجيد خلال الأزمات، لا سيما في المراحل التي تراجعت فيها أسهم التكنولوجيا، جعله أحد الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها المستثمرون في بناء محافظهم الدفاعية.
متوسط العائد السنوي:
7% إلى 9% سنوياً خلال السنوات العشر الماضية.
مؤشر MSCI للأسواق الناشئة: أداء متذبذب
بينما يبحث البعض عن التنويع الجغرافي، يلجأ المستثمرون إلى مؤشرات مثل MSCI Emerging Markets التي تشمل اسهماً من الصين، الهند، البرازيل، وغيرها.
لكن أداء هذا المؤشر كان أقل استقراراً بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية في تلك الدول.
متوسط العائد السنوي:
3% إلى 5% سنوياً فقط، مع فترات ركود طويلة.
مؤشرات الأسواق الناشئة: أداء متواضع رغم الفرص
من بين المؤشرات الدولية التي يتجه إليها بعض المستثمرين بهدف التنويع الجغرافي، يظهر مؤشر MSCI للأسواق الناشئة، والذي يضم اسهماً من دول مثل الصين، الهند، البرازيل، روسيا، وجنوب إفريقيا.
ورغم الجاذبية النظرية لهذا النوع من المؤشرات بسبب النمو الديموغرافي والاقتصادي في تلك الدول، إلا أن الأداء الفعلي كان دون التوقعات في معظم السنوات العشر الماضية. فقد سجل المؤشر متوسط نمو سنوي يتراوح بين 3% و5% فقط، وهو رقم أقل بكثير من المؤشرات الأمريكية.
العوامل التي أعاقت أداءه شملت ضعف البنى التحتية المالية، تقلبات العملات، اضطرابات سياسية، وتدخلات حكومية في الأسواق. لذلك، وبالرغم من أهميته في تحقيق التنوع، يبقى هذا المؤشر خياراً أكثر خطورة وأقل جدوى للمستثمر الذي يبحث عن استقرار أو نمو متسق.
عوامل ساهمت في تفوق بعض المؤشرات على غيرها
تفوق مؤشر مثل ناسداك 100 لم يكن عشوائياً، بل جاء نتيجة مجموعة من العوامل الجوهرية:
- التحوّل الرقمي العالمي: الاعتماد الكبير على الخدمات التقنية في كل مناحي الحياة عزز من أرباح شركات التكنولوجيا.
- نمو الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية: وهي قطاعات تقود التغيير في الاقتصاد العالمي.
- التحفيز المالي والنقدي: خاصة بعد أزمة كورونا، حيث ضخت البنوك المركزية تريليونات الدولارات لدعم الأسواق.
- الابتكار المتسارع في قطاعات التكنولوجيا الحيوية والطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية.
بالمقابل، فإن المؤشرات التي تعتمد على الشركات التقليدية أو على الأسواق الناشئة واجهت ضغوطاً متعددة مثل الأزمات السياسية، أو نقص الابتكار، أو انخفاض القدرة التنافسية.
أي المؤشرات تناسب المستثمر على المدى الطويل؟
الاختيار بين تداول المؤشرات هذه يعتمد في النهاية على أهدافك الاستثمارية ومدى تقبلك للمخاطر:
- إذا كنت تبحث عن نمو مرتفع وتقبل تقلبات عالية، فإن مؤشر ناسداك 100 هو الأفضل.
- إذا كنت تريد استثماراً متوازناً يجمع بين النمو والاستقرار، فإن S&P 500 هو الخيار الأنسب.
- أما إذا كنت تفضل الاستثمار في الشركات القوية والمستقرة مع تقلب أقل، فيمكن الاعتماد على داو جونز.
- أما المؤشرات العالمية أو الأسواق الناشئة، فتحتاج إلى إدارة مخاطر دقيقة وتوقيت دقيق لدخول السوق.
خاتمة
خلال السنوات العشر الماضية، أثبتت المؤشرات الأمريكية الكبرى أنها من بين أفضل أدوات الاستثمار الطويل الأجل، خاصة في ظل الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي العالمي.
ورغم أن الأداء السابق لا يضمن النتائج المستقبلية، إلا أن البيانات التاريخية تظل دليلاً قوياً على الاتجاه العام للأسواق. ومن هنا، فإن تخصيص جزء من المحفظة لمؤشرات قوية مثل ناسداك أو S&P 500 يمكن أن يشكل حجر الأساس لبناء ثروة مستدامة على المدى البعيد.
احرص دائماً على الموازنة بين العائد والمخاطرة، واستخدم التحليل المالي إلى جانب استراتيجية واضحة لإدارة محفظتك.